الأنظمة الدكتاتورية هي التي استولت على الحكم عن طريق الانتخابات التشريعية وبعدها تحولت الى نظام دكتاتوري أو أنها وصلت الى السلطة على ظهر دبابة أو انقلاب عسكري، ومن طبيعة هذه الأنظمة تشبّثها بكرسي السلطة وعدم اعتدادها بالانتخابات وعدم إيمانها بالانتقال السلمي والديمقراطي للسلطة وتصبح قابعة على صدور الشعب وجاثمة عليها ولا تعترف بأدنى درجات حقوق الإنسان والحريات وتصنع الأبواق والأقلام المأجورة وتستغل ثروات الوطن لصالح فئة معينة او للعائلة الحاكمة ومن أجل كحل عيونها فإنها تجري بين حين وآخر انتخابات صورية ذات نتائج معروفة مسبقاً والتي لا تخرج من كونها إعلان البيعة لها من قبل الشعب المسكين الذي لا يعرف لماذا صوّت.
ان غالبية الأنظمة الدكتاتورية في منطقتنا الشرق أوسطية أتت عن طريق الانقلابات العسكرية بدعم القوى الخارجية لتحل محل أنظمة ديمقراطية أو دكتاتوريّة انتهت مفعولها ولم تعد قادرة على حماية مصالح تلك القوى الخارجية او أنها ستقدم لتلك القوى خدمات اكثر من الأنظمة الموجودة، فلا يكاد أن ينجح أي انقلاب في الدول إذا لم يكن هناك دعم خارجي له او أن تستمر في الحكم.
معلوم أن الدول في هذه المنطقة تأسست باتفاقيات دولية وفق مصالح الأطراف المبرمة على هذه الاتفاقيات وهي التي أتت بهذه الأنظمة لتحكم هذه الدول، لذا نرى بأن هذه الأنظمة تعتبر قويّة وقاسية جداً من الداخل في تعاملها مع كل من تعارضها أو يخرج من دائرتها، وفي المقابل تعتبر هشة وضعيفة جداً امام القوى الخارجية سواءً الاقليمية أو الدولية، لأنها تعلم علّم اليقين أن مصيرها وطول بقائها مرهون بالدعم الخارجي فقط وان الاسباب التي يذكرها المحللين والسياسيين بعد سقوط كل نظام دكتاتوري من عدم الاهتمام بالشعب وبعده عنهم واستغلال ثرواتهم وهشاشة المنظومة الأمنية والسياسية والاقتصادية والعسكرية وعدم وجود الديمقراطية وحرية التعبير وغيرها لا تخرج من كوّنها أسباب ثانوية وأدوات وحجج لبقاء تلك الأنظمة في السلطة أو اسقاطها.
قبل ايام معدودات تحركت قوى المعارضة السورية ( تحت مسميات متعددة وتوجهات مختلفة) وهاجمت المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات النظام السوري وخلال ساعات قليلة حققت انتصارات كبيرة لم تكن في الحسبان، حتى تمكنت في صبيحة يوم الأحد المصادف 8/12/2024 من إسقاط نظام الأسد الذي دام لأكثر من خمسة عقود وسط مخاوف وأهازيج شعبية وبيانات تاريخيّة تدعو إلى ضبط النفس وحماية مؤسسات الدولة وممتلكاتها.
في الحقيقة أن القوات المعارضة السورية كانت موجودة لسنوات وكانت ترغب بما حققته اليوم بهلف وتعمل من أجل ذلك ولكنها لم تكن تملك الدعم الخارجي مثل اليوم لذا لم تكن قادرة على التحرك قيّد أنملة وأن النظام السوري السابق ( نظام بشار الاسد) كان يحضى بدعم خارجي قوي من إيران وروسيا وإن لم يكن كذلك فإن هذا النظام كان على وشك الانهيار لمرات عديدة من قبل ولكن دعم إيران وروسيا و وقوفهما إلى جانبه حالت دون ذلك وبقي صامداً ومستمراً على نهجه تجاه شعبه والمنطقة، ولكنه في الوقت الذي فقد الدعم الخارجي باتفاقيات وصفقات سرية وراء الكواليس والغرف المظلمة التي لا تظهر نتائجها الآن فَقَد نظام الأسد كل ما يملك وفر إلى جهة مجهولة لتبدأ مرحلة جديدة من الاجتماعات والتحضير للمفاوضات وتشكيل حكومة انتقالية.
من هذا نستنتج أنّ الانتفاضات الشعبية وهجوم القوات المعارضة والانقلابات العسكرية وانهيار المنظومات الأمنية والعسكرية والدعاية الإعلامية وغيرها تعدّ أدوات سياسية بيد القوى الخارجية لتغيير الأنظمة التي انتهت مدة صلاحيتها وأنها لم تعد قادرة على تحقيق أهداف تلك القوى.
هذا الحال ينطبق على كل الأنظمة الديكتاتورية في العالم وما شاهدناه في العراق وكيفية حماية القوى الخارجية لنظام البعث والتخلي عنه في عام 2003 هو نفس السيناريوهات وستستمر.
برأينا أن الصراع الحقيقي بين قوات المعارضة السورية تبدأ من اليوم صحيح أنها كانت موحدة إلى حد ما لحين إسقاط الأسد ولكنّها ستبدأ بالصراع فيما بينها من أجل النفوذ والسلطة وما تمليه عليهم القوى الخارجية التي دعمت كل طرف وما ترسمه لها وما هو الشكل الذي يريدونه من سوريا؟
لانه بات معلوماً للقاصي والداني ان كلّ طرف في سوريا يحظى بدعم دولة او دول معينة وان اجتماع كل هذه الأطراف وداعميهم واتفاقهم على نظام حكم معين يكون صعباً وسيشهد البلاد أزمات ويدخل مرحلة من الفوضى إلا إذا اتفقت القوى الدولية والإقليمية على نمط معيّن ودفعت بقواها في سوريا إلى تنفيذ ذلك والرضا بما يؤمرون به.
مع أملنا الكبير ان يتجاوز الشعب السوري واخواننا الكورد في كوردستان الغربية هذه المرحلة الصعبة ويحققون طموحاتهم الوطنية وحقوقهم المشروعة.