لم يكن يوماً عادياً، كان مميزاً، لا بل يبدو سعيداً بالنسبة،لي. فقد دعاني للعشاء خارج المنزل لأول مرة، لم أتمالك نفسي وأنا ابحث في خزانة ملابسي عما يليق من ثياب لهذا اليوم المميز، بتهيب دخلت غرفته لأستعجله بعدما أكملت تجهيز نفسي مبكراً وسئمت الانتظار.

لم أجرؤ على استعجاله، اكتفيت بالوقوف بصمت خوفا من أن يتراجع عن قراره، وقفت أمامه بكامل زينتي لعله يفهم بأني جاهزة للخروج، كم كنت متشوقة لهذا اليوم الاستثنائي، لكن قلقا ساورني وأنا ألاحظ غيمة من الهم كانت بادية عليه، كان شارد الذهن، مشتت الفكر وهو يرتدي ببطء ملابسه.

على غير عادته ابتسم ابتسامة دافئة وقال لي انا جاهز، هاتي يدكِ وضعيها بين يدي وهيا بنا، ركبنا السيارة، كنت بين هنيهة وأخرى أنظر إليه بطرف عيني، كان هادئا لطيفا، لم اعتد على هكذا معاملة منه! هذه الرقة والمشاعر الفياضة التي افتقدتها طيلة عمر زواجنا الذي ناهز العشر سنوات.

سألت نفسي ترى ماذا يخفي زوجي خلف هذا الاحترام المفرط الذي لم اعتده؟! تركت التفكير وقلت لنفسي: لنمض ِ ولا اريد تعكير مزاجي بالتفكير فسيتضح لي كل شيء فيما بعد.

وصلنا المكان الذي دعاني إليه، كان مطعما جميلا جدا كل شيء فيه يدعو إلى الراحة والاسترخاء، كان يطل على نهر دجلة ويعج بالحضور وفي حديقته وقفت شجيرات الورد بمختلف ألوانها بتنسيق كبير، ومن جانب آخر كان منظر الطهاة أنيقا بزيهم الأبيض، وهم يظهرون من خلف نافذة زجاجية يقطعون الشاورمة ويعدون أنواع الأطعمة والمشروبات ، حاولت توثيق كل شيء وأنا أعيش لحظات من السعادة كما كنت اظن، لكن هاجسا في داخلي يهمس بأن هذه السعادة مؤقتة، ستنتهي بعد ساعات قليلة.

على رغم القلق الذي كان يراودني، لم أتوقف عن التقاط الصور بمختلف الزوايا، وبين الحين والآخر التقط صورا (سيلفي) معه والغريب أنه لم يكن يبدي أي اعتراض عما اقوم به، رغم جديته التي تعودت عليها، كنت اتنقل كفراشة بين اروقة المكان بحرية ودون تقيد. أكملنا وجبة العشاء وتمتعنا بتذوق أشهى الأطباق وشرب الشاي، لتحين لحظة الحسم، بدون مقدمات قام بمسك اصابعي بلطف، نظر إلي بتردد وبعينين قلقتين.

استغربت لضعفه الذي لم اعتده من قبل، سألت نفسي: ترى ماذا يخبئ خلف هذا التوتر والقلق؟!، أنه رجل قادر ومتسلط لا يخشاني ابداً، وحديثه معي غالبا ما كان بتعال وغطرسة، عكس ما أراه الآن، قلت له بصوت مرتجف بعدما ملأ الشك أرجاء قلبي: تكلم ما الذي تريد البوح عنه، لا داعي لهذه المقدمات المريبة واللطف المصطنع الذي لم تعودني عليه من قبل.. قام بتعديل سترته بعد أن استقام بجلسته مستعيدا رباطة جأشه متظاهراً انه غير مهتم وبصوت قاس أجاب وهو ينظر بعيني: اسمعيني جيداً : لقد احببت غيرك وقررت ان اتزوجها ، واتفقت معها على كل شيء ولاتهمني موافقتكِ او رفضكِ ، لكني اردت ان ابلغك فقط لاني ارى ذلك من حقكِ ، فانت مخيرة بين البقاء والمغادرة .. انتهى الحديث ، وبحركة قاطعة نهض واقفا وكأنه أنهى المهمة التي جاء من أجلها. وأمرني بحزم انهضي لنغادر المكان ونعود الى البيت لقد تاخرنا!.