ليس هناك شيءٌ اسمه خلقُ النقود، سوى ما تقوم به البنوك المركزية من طبع عملاتها المحلية، أمّا ما عداه، فهو سوءُ فهمٍ لهذا المصطلح من قبل البعض، وهو ما دفعني لكتابة هذا المقال الموجز.
تُصدِرُ البنوكُ المركزية عملاتها المحلية لثلاثة أسباب، متعلقة بالاقتصاد والسياسة والفساد، فأمّا الفساد، فإن بعض البنوك المركزية تقوم بطبع عملاتها المحلية لتغطية عمليات التهريب وتبييض الأموال وتجارة المخدرات، تحت ضغط قوى نافذة، محلية وإقليمية، كما هو حاصل في العراق وبعض الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية.
وأمّا الأسباب السياسية، فإن بعض الحكومات تضغط على بنوكها المركزية لطباعة النقود، وذلك لتغطية العجز في الموازنة، أو توفير السيولة للإنفاق، كما هو حاصل في تركيا مثلًا، وأمّا الأسباب الاقتصادية، فإن كفاءةَ الأنشطة الاقتصادية، وسرعةَ حركة النقد ودورانه فيها، وتعدّد أشكال الأرباح والفوائد الناجمة عن توظيف النقود في العمليات التنموية (الإنتاجية والمصرفية)، وغير التنموية (البورصات والعملات المشفرة)، كل ذلك، يولّد الحاجةَ الحتمية لتغطية الزيادة الحاصلة في حجم النمو الاقتصادي، من خلال توفير المزيد من الكتلة النقدية التي تتعطش إليها الأسواق، فتقوم، على أثر ذلك، البنوكُ المركزية بإصدار الكتلة النقدية اللازمة لتحقيق الاستقرار النقدي، وفق ضوابط السوق وحاجتها الفعلية للكتلة النقدية.
وقد ابتكرت الصناعة المالية العديد من وسائل مواكبة التوسع الاقتصادي، بموازاة إصدار العملة، كالصكوك، والكمبيالات، والبطاقات الائتمانية، وخطابات الضمان، وغيرها، التي تقوم مقام النقود في المعاملات الاقتصادية، وتخفّف من الحاجة إلى استخدام النقود الورقية.
ويَخطأُ مَنْ يعتقد أنّ المصارف تخلُق النقود، من خلال الاعتقاد بأن الفوائد المصرفية، وبطاقات الائتمان، وغيرها، هي خلقٌ للنقود، فخلقُ النقود، يعني الإيجاد من العدم، ولا يحصل ذلك إلّا بطباعة وإصدار أوراق نقدية من قبل البنوك المركزية، وليست بطاقاتُ الائتمان، ولا الفوائدُ المصرفية، ولا الأرباحُ الناتجة عن العمليات التنموية وغير التنموية، نقودًا جديدةً، وإنّما هي ظاهرةٌ توسعيةٌ طبيعيةٌ للاقتصاد.
هذه الظاهرة التوسعية، هي جزء من طبيعة الاقتصاد، فإذا دفعَ الإنتاجُ والتنميةُ إلى نُموِّ الكتلة النقدية وطباعةِ المزيد من العملة، فهذا يشير، حتمًا، إلى سلامة الاقتصاد واستقراره، أمّا إذا دفعت العملياتُ غير التنموية، كتوظيف النقود في مضاربات الأسواق والبورصات، والعملات المشفرة، وما شابهها، إلى نُموِّ الكتلة النقدية، فهذا يشير، وبوضوح، إلى سقوط الاقتصاد في براثن التضخّم، والخللِ في توزيع الدّخل، وتفاقمِ آفة الفقر والبطالة.
والخلاصةُ: إن فوائدَ المصارف، وبطاقات الائتمان، وأرباح العمليات التنموية، وغير التنموية، هي جزءٌ لا يتجزأ من الاقتصاد، وهي ليست خلقًا للنقود، وإنما هي افرازات طبيعية، لأنشطة اقتصادية، تؤدّي دورها في توسّع الاقتصاد ونموه، سلبًا أو إيجابًا، بحسب معيارها الإنتاجي.