هناك جهتان نفعيتان داخلية وخارجية ظلتا تحاولان، ولا تزالان، خلق مرجعية أو رمزية دينية شيعية تنسجم مع إرادتها وتحقق مصالحها، وهما:

1ـ جماعات الضغط والمصالح داخل الحوزة العلمية.

2ـ الأنظمة السياسية المحلية والدولية، ولا سيما بريطانيا والنظامين الشاهنشاهي الإيراني والبعثي العراقي. ثم دخلت أنظمة السعودية وأمريكا والإمارات وإسرائيل على خط التدخل في الشأن الحوزوي والشيعي بعد سقوط النظام البعثي في العام 2003، وباتت أجهزة مخابراتها تتولى مهمة خلق الخلافات في الحوزة والواقع الشيعي، ومحاولة خلق رمزية شيعية تابعة لها.

وتستخدم هاتان الجهتان وسائل تأثير مهمة، أبرزها:

1ـ الدعاية والترويج والإعلام؛ لمصلحة الشخص الذي يريدون إيصاله إلى مستوى المرجعية والرمزية، وضد من يريدون تسقيطهم من الأشخاص المنافسين أو الذين يحولون دون ضرب سياقات الحوزة.

2ـ المال؛ لدعم الشخص الذي يريدون إيصاله، دعماً مباشراً أو غير مباشر، وشراء الذمم بمختلف الوسائل ، ومحاولة تسقيط الآخرين.

3ـ الضغوط الاجتماعية والسياسية والمخابراتية.

ودون شك؛ لا تستطيع الدول الأجنبية تحقيق أيّ هدف لها في هذا المجال دون وجود جماعات ضغط داخلية متعاونة. وبالتالي؛ فإنّ الخطر الأساس يكمن في جماعات الضغط الداخلية المتعاونة مع دول خارجية، لتحقيق هدف مشترك؛ لأنّ خطرها مركب. وأُنموذجها الجماعات التي كانت تعمل مع النظام الشاهنشاهي الإيراني والنظام البعثي العراقي، أو لا تزال تعمل بشكل مشترك مع بريطانيا وأمريكا والسعودية، وهي ظاهرة جديدة لم تعرفها الحوزة العلمية من قبل القرن العشرين الميلادي.

أمّا جماعات الضغط الداخلية التي تعمل بمفردها، ولأهداف حوزوية أو مصلحية صرفة، ولا ينطوي حراكها على أهداف سياسية وارتباطات بالخارج؛ فهي موجودة منذ نشوء الحوزة، وضررها أقل بكثير؛ بل لا يتسبب بعضها بضرر؛ لأنه يعمل بنية الحرص على الحوزة غالباً. وهذه الجماعات هي أكثر قدرة على تحقيق أهدافها من جماعات الضغط المتعاونة مع دول أجنبية؛ لأنّ جماعات الضغط المستقلة أكبر عدداً وأكثر تأثيراً، وتستخدم وسائل تقليدية متعارفة، فضلاً عن أنّ أغلب أفرادها من أصحاب العمق الاجتماعي الديني في الحوزة.

وإلى جانب جماعات الضغط الداخلية المستقلة؛ هناك جماعات ضغط خاصة، تعمل لمصلحة جماعة أُخرى أكبر أو رمزية أو مرجعية معينة، كما ذكرنا سابقاً. هذه الجماعات تكون ـ غالباً ـ مكشوفة وتعمل بوسائل تتعارض مع الرأي العام الحوزوي. ولذلك يكون تأثيرها محدوداً، وإن حظيت بأدوات دعاية وميزانيات مالية كبيرة.

هذا الحجم الهائل من محاولات الاختراق التي تقوم بها الدول الأجنبية والخصوم السياسيين والإيديولوجيين الخارجيين، بالتعاون مع عناصر داخلية؛ يفرض السؤال التالي: هل حققت هذه المحاولات أهدافها في خلق مرجعيات دينية أو رمزيات حوزوية عبر الدعاية والمال والضغوطات؟

من خلال البحث في الوقائع التاريخية، والتقصي الميداني للحاضر القائم، يمكن الجزم بأنّ عناصر الدعاية والمال والعمل المخابراتي والضغوطات السياسية لم تنجح خلال المئة وعشرين عاماً الأخيرة في خلق مرجعية دينية أو رمزية حوزوية شيعية موالية لها إطلاقاً، وإنّ كل المحاولات كانت تفشل بمرور الزمن أو تموت في المهد. هذا من جهة محاولات الدول الأحنبية وجماعات الضغط المرتبطة بها.

أمّا من جهة جماعات الضغط الداخلية المصلحية التي تعمل بمفردها، سواء العامة أو الخاصة؛ فإنّها لا تستطيع تغيير المعادلات المرجعية والحوزوية، إلّا بمساحات محدودة. وكل ما يقال في هذا المجال إنّما هو حكايات وسرديات لا واقع لها، أو وقائع انتقائية جزئية لا تؤثر في الخط العام للمرجعية.

لقد بذلت السعودية ـ مثلاً ـ بعد العام 2003 مساعٍ كبيرة وبذلت أموالاً طائلة لخلق مرجعيات ورمزيات دينية شيعية عراقية وإيرانية ولبنانية؛ لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، وتحوّل الأشخاص الذين تعاونوا معها وحصلوا على دعمها إلى أدوات مكشوفة للتخريب فقط، دون أن يكون لهم حضور ديني حقيقي. قد تستطيع حكومات السعودية وبريطانيا وأمريكا خلق وتحريك عشرات المعممين وبعض الخطباء ونجوم الإعلام الديني؛ لكنها لا تستطيع خلق رمزية دينية أو مرجعية معترف بها حوزوياً في العراق أو إيران أو أيّ بلد آخر، حتى لو أنفقت مليارات الدولارات، وخصصت ألف قناة فضائية ومؤسسة إعلامية.

وهو الحال نفسه مع جماعات الضغط الخاصة التابعة لجهة أو مرجعية غير مصنّفة وفق السياقات الحوزوية المتعارفة؛ فهي تفشل ـ عادة ـ في تحقيق أهدافها النهائية. نعم، ربما تحقق أهدافاً مقطعية مقبولة حوزوياً؛ لكنها لن تستطيع إيصال مرجعها ورمزيتها إلى موقع المرجعية العليا مهما بذلت من جهود. مثلاً؛ في الأعوام 1999 إلى 2001 كان اثنان من مراجع الدين في خارج العراق تصلهم أموال شرعية وتبرعات كبيرة من أنصارهم، ولديهم مؤسسات وأوقاف واسعة، تُعدّ ضمن المؤسسات الأكثر ثراءً على مستوى العالم الشيعي. وفي الوقت نفسه يمتلكان إعلاماً منظماً واسعاً، ويعيشان فضاءً منفتحاً وحراً، ويحظيان بدعم تيارات منظمة. بينما كان السيد علي السيستاني في النجف يعاني حصاراً وعزلة على يد النظام البعثي العراقي، وليس لديه فضائيات ولا وسائل إعلام ولا حرية حركة؛ لكن السياقات والأعراف الحوزوية أخذت مجاريها الطبيعية، وبرز السيد السيستاني مرجعاً أعلى دون أن يكون للمال والإعلام تأثير في فرزه، بل ولم يكن لجماعات الضغط الداخلية تأثير أساسي. نعم؛ كان لهذه الجماعات تأثير في الترويج لمرجعيته، وهو أمر طبيعي؛ إلّا أنّ دور أهل الخبرة والعرف العام الحوزوي كانا هما الأساس في تثبيت مكانة السيد السيستاني.

ولا تقتصر هذه الممانعة على الحوزتين المركزيتين في النجف وقم؛ بل تسري على كل الحوزات العلمية الأُخر. فعلى مستوى الحوزة والمرجعية في إيران؛ فإنّ اختراق السياقات والأعراف الحوزوية بات شبه مستحيل بعد العام 1980، مع عملية المأسسة والضبط والتوسع. أمّا حوزة النجف؛ فبرغم ما قد يلاحظ عليها من بساطة التنظيم والضبط؛ إلّا أنّ هذه البساطة تخفي وراءها نظاماً في غاية التعقيد والضبط، وهو نظام يتمتع بسياقات وأعراف موروثة متراكمة حادة، تحول دون تمكن أية جهة أجنبية أو جماعة داخلية من تغيير معادلاتها وحرف مسارها. لذلك؛ فإنّ الكلام عن أنّ المرجعية العليا تصنعها الأموال والدعاية والأنظمة؛ إنّما هو كلام مبني على كثير من الوهم والخصومة، وقليل من التفاصيل التي تفتقد إلى الدلالة.

مفهوم (الحواشي) في مؤسسة المرجعية

يُطلق مصطلح (الحاشية) في الحوزة العلمية على الفريق الخاص بالمرجع الديني ومستشاريه والحلقة الخاصة الملازمة له، وهو يشابه مفهوم حاشية الرئيس وحاشية الزعيم وحاشية أيّ متصدٍ بارزٍ لشأن مهم من شؤون الحياة. ولا يقتصر المصطلح على الحاشية الخاصة بالمرجع؛ بل يتسع أيضاً للمجموعات المحيطة بالكيان المرجعي للمرجع، والعاملة داخله. ومن شروط الحاشية: الملازَمة والحضور الشخصي والمعنوي في صلب هذا الكيان المرجعي، وخاصة في مكتبه أو ما يسمی بـ (البرّاني)، وليس بالضرورة أن تكون ملازِمة لشخص المرجع، فضلاً عن الالتزام بحفظ مصالح هذا الكيان والترويج له والدفاع عنه.

ويشكل أعضاء منظومة الحاشية بمجموعهم فريق العمل المرجعي، وبينهم مستشارون في المجال الفقهي والعلمي، وآخرون في الشأن المالي، أو في شؤون الوكلاء والمعتمدين أو في شؤون الحوزة العلمية أو الشأن العام. ويعود حسن تنظيم عمل الحاشية وحجم تأثيرها في القرار إلى طبيعة شخصية المرجع نفسه، ووعيه وقدرته على الإدارة والتدبير؛ فكلما ضعفت هذه القدرة ازداد نفوذ الحاشية نفوذاً سلبياً.

ويختلف دور الحاشية ومهامها وتأثيرها وفق مراحل صعود المرجع وعمره البايولوجي والمرجعي؛ ففي بداية عهد الفقيه بالمرجعية يكون دور الحاشية تنفيذياً وترويجياً غالباً، وتحظى برقابة المرجع نفسه واهتمامه. ولكن بتقدم المرجع في العمر واتساع حجم مرجعيته؛ تنتقل هذه المسؤولية تدريجياً إلى أبناء المرجع، ولا سيما الابن الأكبر الفاعل الذي يقود مكتب إدارة المرجعية.

ووجود الحاشية كفريق عمل ملازم للمرجعية الدينية منذ نشاتها؛ أمرٌ طبيعي وضروري. إلّا أنّ تبلور عمل الحاشية واختصاصاتها بدأ مع ثورة المشروطة في إيران وارتداداتها في العراق. لذلك برزت الحواشي شبه المنظمة مع مرجعية السيد محمدكاظم اليزدي ومرجعية الشيخ الآخوند محمدكاظم الخراساني وقيادة السيد عبدالله البهبهاني الغريفي. ثم شهدت تطوراً ملحوظاً في زمان مرجعيتي السيد حسين البروجردي والسيد محسن الحكيم ثم الإمام الخميني. فمنذ عقد الخمسينات في القرن الماضي؛ توسع حجم الحواشي وانتظمت مهامها وتوصيفاتها الوظيفية؛ أي مع تضخم بيت المال الشرعي بالواردات الانفجارية من تجار أسواق طهران وإصفهان ومشهد وتبريز المرکزية، ثم تجار بغداد والكويت ودبي، وهي نماذج مدن أثرياء الشيعة المتدينين.

وكانت حاشية السيد محسن الحكيم وحاشية الإمام الخميني من أكثر الحواشي تنظيماً وفاعلية وحجماً في وقتيهما، وهما أول من أدخل الاختصاصيين من غير علماء الدين ضمن صفوفهما؛ بل إنّ شؤون الثورة والدولة؛ كرست حضور غير علماء الدين في حاشية الإمام الخميني بعد العام 1979.

وتُعدّ محاولة السيد الشهيد محمدباقر الصدر لمأسسة عمل الحاشية رائدة في مجالها؛ فقد نظّر لتحويلها إلى لجان مؤسساتية أو مديريات متخصصة ترتبط بها دوائر وفروع، وترتبط جميعها بلجنة عليا يترأسها أو يشرف عليها المرجع نفسه. وتقوم هذه اللجان بضبط أعمال المرجعية على كل الصعد، العلمية والإدارية والمالية والاجتماعية والسياسية؛ للحيلولة دون استفحال قوة جماعات الضغط والمصالح. وهذه المحاولة الرائدة كانت جزءاً من نظريته: (المرجعية الرشيدة)، التي طرحها بعد العام 1975، وأعلن عنها في العام 1979، وبدأ العمل بها بشكل مبدئي.

ولا شك أنّ تطور عمل المرجعية وكثرة عدد المقلدين واتساع مساحة الشأن العام؛ أدى تلقائياً أيضاً إلى تطور عمل مكاتب المراجع الإدارية، وبلوغها مستويات نسبية من المأسسة. فقد كان مكتب المرجع يسمى «البرّاني»، مقابل «الدخلاني» الخاص بالعائلة. و«البرّاني» هو الجزء الخارجي من بيت المرجع، ويمارس المرجع من خلاله عمله المرجعي ويستقبل ضيوفه. ويدلّ «البرّاني» على معنيين، الأول دلالة على المكان، والثاني دلالة على الاختصاص، أي أنّه بمثابة المكتب المركزي للمرجع. ولا يزال «البرّاني» يُستخدم كمصطلح يدل على المكان، بينما بات أغلب المراجع يستخدمون مصطلح المكتب للدلالة على الاختصاص. كما بات مصطلح «البيت» متداولاً في الوسط الحوزوي للدلالة على مكتب المرجع أيضاً.

وقد تطور شكل الحاشية أيضاً بمرور الزمن، وباتت فيها مراتب، على أُسس البعد والقرب من المرجع، والمستوى العلمي، والاختصاص:

  1. أُسرة المرجع: وهم عادة أولاده وأصهاره وإخوته من علماء الدين. ويكون الفاعل الأساس بينهم الابن الأكبر للمرجع عادة، أو الابن الأكثر فاعلية وتدبيراً وثقة عند أبية، والذي يكون في الوقت نفسه مسؤولاً عن الشؤون الخاصة بالمرجع، وعن المكتب (بيت المرجعية الخارجي أو ما كان يعرف بالبرّاني)، والرابط بين المرجع والحاشية والوكلاء ومسؤولي الدولة. وهو موضوع يتصل بالثقة التي يحظى بها الابن، والخصوصيات المتصلة ببعض مفاصل العمل المرجعي. وهذا التقليد في المنظومة الدينية الاجتماعية الشيعية ظل متوارثاً منذ بداية غيبة الإمام المهدي، أي منذ عهد السفراء الأربعة قبل 1250 عاماً تقريباً؛ فقد كان الشيخ محمد ابن الشيخ عثمان العمري الأقرب إلى أبيه السفير الأول، ثم أصبح السفير الثاني من بعده. وهكذا الشيخ حسن ابن الشيخ أبي جعفر الطوسي، والذي كان يسمى «المفيد الثاني»، ولا يزال هذا التقليد متبعاً حتى الآن.

ولعل من أكثر القضايا حساسية في مؤسسة المرجعية هي حركة أولاد المراجع وأصهارهم؛ فهي تحت المجهر والأضواء على الدوام، ويتم التفتيش عنها، ولا سيما من الخصوم النوعيين أو الفكريين؛ لتضخيم الأخطاء والمبالغة في الروايات، وتعميمها على شخص المرجع وكيان المرجعية والحوزة. وهذه الحساسية تجعل كثيراً من الناس (البسطاء منهم والمغرضون) تتلقى هذا اللون من الدعاية كمسلمات، وترددها دون تفحص.

  1. حاشية المرجع الخاصة: وهم فريقه الخاص الذي يتكون غالباً من عدد محدود من كبار تلاميذه القدماء الثقات المقربين، ويُطلق عليهم أيضاً «الخواص» أو «الطبقة الأُولى»، وهم عادة مجتهدون وأساتذة بحث خارج وعلماء دين مرموقون، ويتميزون بتقدم السن، وقدم العلاقة بشخص المرجع، والخبروية العلمية والاجتماعية. ويكون أولاد المرجع وأصهاره وإخوته من علماء الدين المرموقين ضمن الحاشية الخاصة عادة. ويتواصل «الخواص» مع المرجع بشكل مباشر ويحضرون مجلسه التداولي الخاص. وتدور مداولاتهم ـ عادة ـ حول أوضاع الحوزة والشيعة ومستحدثات المسائل الفقهية والرؤى العلمية الجديدة. وليس من الضروري أن يعمل جميع أعضاء هذا الفريق الخاص في مكتب المرجع؛ بل يكون لبعضهم كياناتهم الخاصة. أمّا من يعمل منهم في المكتب فهم ـ عادة ـ المسؤولون عن لجان الاستفتاءات والأموال الشرعية وشؤون الحوزة والوكلاء وقضايا الشأن العام، وهي مسؤوليات ليست وظيفية؛ بل ترتبط بالجانب العلمي والاستشاري والتدبيري.

  2. حاشية المرجع العامة: وهم الفريق العام الذي يضم عدداً أكبر من الفريق الخاص، ويتكون من أبرز مسؤولي مكتب المرجع وأعضاء اللجان، وكذلك تلاميذ المرجع من الشباب أو الأدنى في المستوى العلمي؛ أي أساتذة السطوح العالية (المكاسب والكفاية)، ويسمّون: «الفضلاء»، وهؤلاء يحضرون المجلس العام للمرجع، وهم «الطبقة الثانية» من الحاشية، وهم الأقل تأثيراً في قرار المرجعية من الحاشية الخاصة؛ لكنهم أكثر عدداً وفاعلية في صناعة الرأي العام الحوزوي.

  3. حاشية الحاشية: وهم حاشية ابن المرجع (المسؤول عن المكتب) وفريقه، أو حواشي خواص المرجع، وهم «الطبقة الثالثة». وبرغم انعدام تأثير هؤلاء في القرار المرجعي؛ إلّا أنّهم الأعلى صوتاً في الأوساط الاجتماعية الحوزوية وفي المساهمة في صناعة الرأي العام الحوزوي. وهي تتألف غالباً من الفضلاء في المستوى الحوزوي (أساتذة السطوح).

وبين طيات الحواشي؛ تعمل جماعات الضغط والمصالح على مد نفوذها للتأثير في الرأي العام الحوزوي. وهي جماعات ينطلق بعضها مما تعتقده فهماً عميقاً لمصالح الحوزة والمرجعية والواقع الشيعي، وتعتقد أنّها تقوم بواجبها الشرعي حفاظاً على مصالح المذهب، أي أنّ منطلقاتها ليست لمصالح ذاتية خاصة بالفعل، بينما تعمل أُخرى لمصالحها الخاصة، وإن غلّفتها بمسوغات ترتبط بالمصلحة العامة.

وتتحمل الحاشية المسؤولية عن سمعة المرجعية وصورتها أمام الناس والعالم؛ فهي بأفعالها وتصرفاتها يمكن أن تتسبب في تشويه صورة المرجعية والحوزة، أو أنّها تحافظ على نقاء صورة المرجعية ولمعانها؛ لأنّ هذه الطبقة هي الفاعلة ميدانياً والنشطة في إطار كيان المرجعية، وتكون عادة على تماس مباشر مع الناس ومع السياسيين والحكومات والتجار.

وثمة مشكلة أساسية تختلقها بعض الحواشي من الطبقتين الثانية والثالثة، وهي أنّها تحوِّل الخلاف في الرأي الفقهي والسياسي والاجتماعي والفكري بين المراجع إلى خلاف مقدس وخلاف في صلب الدين، وليس في فهمه. ولذلك؛ فإنّ الخلافات بين حواشي المراجع أو بينها وبين الآخرين من أفراد وجماعات ثقافية وسياسية واجتماعية ومالية؛ إنّما هي خلافات شخصية أو مصلحية، ولا تعبر بالضرورة عن مواقف المراجع أنفسهم؛ وإن حاولت بعض جماعات المصالح والضغط نسبتها إلى المراجع أنفسهم؛ للوصول إلى أهداف نفعية؛ بل لعل المرجع لا يعلم بها أساساً. ومن هذا المنطلق؛ يؤكد حكماء الحوزة دائماً على ضرورة عدم الخلط بين رؤية الخط المرجع والخط المرجعي العام، وبين سلوك الحواشي أو خطاب جماعات المصالح. وبالتالي؛ فإنّ ضبط سلوك الحواشي والخطوط الخاصة وجماعات الضغط لا يتيسّر إلّا بمأسسة الحوزة العلمية ومنظومة المرجعية.

وكما ذكرنا سابقاً، ينبغي عدم الخلط بين الحواشي وجماعات الضغط التابعة للمرجعيات من جهة، وجماعات الضغط والمصالح المرتبطة بأجندات معادية للحوزة وللواقع الشيعي. ولعل الخطاب الأخطر الذي تروّج له جماعات المصالح والضغط المرتبطة بمخططات خارجية معادية، عمل فجوة بين المرجعية العامة والحوزة في النجف من جهة، والجمهورية الإسلامية في إيران وحوزة قم والحركات الإسلامية الشيعية في العراق ولبنان والبحرين وغيرها من جهة أُخرى، من خلال اختلاق الخلافات وتضخيم الوقائع وانتقاء التفاصيل، من أجل تحقيق أهداف مشتركة مع البلدان المتخاصمة مع الشيعة، وتحديداً أمريكا وبريطانيا وإسرائيل والسعودية. وفي مقدمة هذه الأهداف الاستفراد بالمرجعية النجفية والواقع الشيعي العراقي، وتمزيق النظام الاجتماعي الديني الشيعي ومكوناته من داخله.