الجزء الثالث

عدم الاطلاع، تغييب للحكمة:

لا حرج في تكرار المُقال، علها توقظ البعض.

تناسي بعض المسؤولين والحزبيين، ومعهم شريحة من الكتاب والمثقفين الكورد، ما كتبناه من النقد على مدى عقد وأكثر، في أبعاد السياسة والخلافات الحزبية، وتجنيدهم لبعض الضحلاء معرفة، بمنهجيتنا؛ وكتاباتنا السابقة؛ ليكون الرد بسويات ساذجة، من دلالات النقص في الذات، وعدم القدرة على المواجهة الصريحة والمباشرة مع رأي الشارع الكوردي، والأطراف الأخرى من الحراك الكوردي ومن بينها قناعاتنا بمنطق الحوارات، وأبعادنا القومية، الرافض للخلافات المبنية على الصراع الحزبي، وعلى أحكامنا على أساليب الصراع مع الأعداء وطرق التعامل مع الأطراف الوطنية، والتي هي أكثر من واضحة.

علينا جميعا أن ندرك، إن من أحد أهم مرتكزات منهجيتنا الوطنية، كحراك كوردستاني، رفض تفضيل القيادات على الحزب، والحزب على الوطن، المعضلة المهيمنة على الساحة الحزبية الكوردية والكوردستانية، التي أدت إلى تفاقم الأخطاء شبه المصيرية لمسيرة الحراك والشعب وخسارتنا للكثير من المكتسبات، وكمثال، عما نتحدث فيه، ما برز مؤخرا في غرب كوردستان:

1- نشر وتسييد مفاهيم الأممية في البعد الكوردستاني، وتناسى البعد القومي المتنامي بين المكون العربي على أرض كوردستان.

2- هجرة ثلاثة أرباع الشعب الكوردي من أرضه، ومعهم معظم الحراك السياسي والحزبي والثقافي، باستثناء الموالي للحزب المهيمن، ليحل مكانهم المكون العربي.

3- الحفاظ على ما تم الاستيلاء عليه من قبل البعث على أرض كوردستان، وحماية المرسخ فيه؛ من المستعمرات وما لحق بهم من الديمغرافية العربية.

4- إخماد صوت الخلاف الكوردي-الكوردي المرن، ومحاولة تذويب البعد القومي الكوردي، ووضع الترهيب قبل محاكم الشعب مكانها.

5- التعامل مع أطراف من المعارضة السورية المعادية للقضية الكوردية في سوريا كشعب قائم على أرضه التاريخية، نكاية بالطرف الكوردي الأخر، ورهبة من عدم قدرة الاعتماد على البناء الذاتي.

نحن هنا نتحدث عن الطرفين اللذين تم فرضهما على الشعب الكوردي، وحيث بناء مشاريع حزبية-سياسية تعكس عدم نضوج الفكر السياسي، ونسخهم أو إعادة تجارب الصراع التاريخي الكوردي- الكوردي وبأوجه جديدة، في الوقت الذي تم فيه إهمال مشاريع إصلاح المفاهيم المتفشية من عهد البعث والأسدين، والتي عمقت منطق رفض الكوردي الآخر.

وتناسينا إيجابيات الإسهام معا في تعمير البنية التحتية، وتحسين حالة المجتمع الاقتصادية، والمعيشية، ومن بينها إعادة تشغيل مراكز الكهرباء ومنابع الماء، وغيرها من الأساسيات، لترجح منطق التمسك بالأرض على الهجرة، ويتم دعم السلطة الكوردية، التي كان عليها أن تتحدث باسم الشعب ولأجل الشعب.

لم يكن المقابل المعارض؛ الذي تم إعادة فرضه بعد هجرته، كطرف منافس لسلطة الأمر الواقع، بأفضل من المهيمن بكثير، ولربما القوة والسلطة غيبت الحقائق من جهة، وأبرزت أساليب التعامل ومنهجية ردود الفعل من جهة أخرى، فنحن ما بين الضبابية أو وضوح الوجه الحقيقي، بحكم ضعف أو قوة الإمكانيات، وليس على خلفية تفضيل البعد الوطني على الحزبي.

ولتغيير الواقع المتلاطم والكارثي، وإنقاذ المنطقة؛ علينا وعليهما، كطرفي الصراع، التعامل مع الواقع الموجود، وحيث الخلافات العميقة، وبما أننا على اليقين من أن مصالح القوى الكبرى والإقليمية لا يسمح بتغيير هذا التوازن وستعمل على ديمومة الخلافات، فعلينا أن نتعامل معا على المنهجية قبول أقل الشروط، ونتحاور بأساليب عصرية ديمقراطية، ونبتعد عن منطق الجلاد والتخوين، لأن الأساليب الكلاسيكية لم ولن تجدي نفعا بعد اليوم وفي البيئة السائدة حاليا، بل زادت وسنزيد الشرخ بين الشعب وسنعمق الخلافات، وهو اجترار لماضينا البائس.

ومن جملة الأساليب الكلاسيكية الساذجة، مواجهة البعض، تحت منطق حل قضايا الأمة، والتي ترسخ هيمنة وسيادة الإتحاد الديمقراطي على الإدارة الذاتية، والمجلس الوطني الكوردي كمعارض، وتغييب الأطراف الأخرى من الحراك الكوردي. والمؤدية إلى التالي:

1- التنقيب عن السلبيات وتضخيمها لتبرير التهجم وتخوين البعض على أسسه، ومن ثم توسيع شرخ الصراع وإضعاف احتمالات التوافق والمشاركة.

2- التشهير بالبعض، والعمل على إشراك الشارع الكوردي في صراعهم، ومحاولة أقناع الأطراف الأخرى للمساهمة في معارك التهجم وتصعيد الصراع الداخلي.

على هذا المنهج تستند انتقادات الطرفين للكتاب والمثقفين الذين لم ينحازوا إلى صراع اللونين، وبوتيرة مشابهة لما يستخدمونها ضد بعضهم البعض، وغايتهما هي:

1- محاولة كسبهم إلى جانبهم في معاركهم السادية.

2- إسكات الصوت الوطني وإعلاء صوت الحزب.

والمؤسف هو ما أقدموا عليه ضمن الحراك الثقافي، والذي يجب أن يكون عين الشعب، وصوته، وضميره، ومنبع نوره، وهو (نوهنا إليها سابقاً) تسخير شريحة من أشباه الكتاب من قبل الطرفين، والتلاعب بعقولهم، وإدراجهم إلى حلقة الصراع الداخلي، وعلى عتبات الحجج الدامغة، والتي هي في الواقع صحيحة، والاتهامات بين الجهتين؛ حقائق منطقية واقعية، لكن عملية مواجهتها تم تعميتهم لها، وبالتالي أصبحوا يستخدمون الأساليب الخاطئة في المعالجة، واستمروا في تكرار ما أملي عليهم لنشره بين المجتمع، ليتوسع الشرخ، ويحصل كل طرف على البنية التي تبقيه مهيمنة، ويقطع الطريق عن الصوت الوطني المنطقي المأمول منه النجاح...

يتبع...