في منتصف شهر تشرين الثاني 2024 كشفت هيئة النزاهة الاتحاديَة عن القبض على 4 متورطين بتهريب سبائك الذهب بمطار بغداد الدولي، بحسب بيان لمكتب الإعلام والاتصال الحكومي.

وتهريب الذهب في العراق مشكلة مركبة تتضمن عددا من الاسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. 

فالذهب يعد ملاذا آمنا للاستثمار في أوقات عدم الاستقرار الاقتصادي، مما يزيد الطلب عليه، وان تواجد فرق كبير بين أسعار الذهب في العراق والدول الأخرى يشجع على التهريب لتحقيق أرباح كبيرة، من اجل ذلك تتورط شبكات فساد في عمليات التهريب ما يسهل هذه العمليات.

ويعد تهريب الذهب وسيلة للتهرب من الضرائب المفروضة على تجارة الذهب ويستعمل تهريبه لغسيل الأموال المتحصلة من أنشطة غير مشروعة.

وبتهريب الذهب تفقد الدولة إيرادات ضريبية كبيرة ويؤثر التهريب سلبا على الاقتصاد الوطني ويؤدي إلى اختلال التوازن في السوق، كما ترتبط عمليات تهريب الذهب بأنواع أخرى من الجرائم منها كما قلنا غسيل الأموال والفساد، كما يضر تهريب الذهب بسمعة العراق على الصعيد الدولي، بحسب خبراء الاقتصاد والسياسة.

وجهود مكافحة تهريب الذهب الواجب اتخاذها، تشمل فرض رقابة أشد على الحدود والمنافذ لمنع تهريبه، ومكافحة الفساد في الأجهزة الحكومية المعنية بمراقبة تجارة الذهب، وتطوير القوانين والتشريعات الخاصة بتجارة الذهب وتشديد العقوبات على مهربي الذهب؛ كما يلزم تعزيز التعاون الدولي لمكافحة تهريبه على المستوى الإقليمي والدولي.

ويجب ان تتضمن اجراءات مواجهة التهريب تشجيع السكان على التعامل مع البنوك لشراء وبيع الذهب، وتوفير بدائل استثمارية آمنة للسكان للحد من الطلب على الذهب، وتوعية المجتمع بمخاطر تهريب الذهب وآثاره السلبية.

ان مشكلة تهريب الذهب تتطلب جهودا متكاملة من قبل الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، ويتوجب معالجة الأسباب الجذرية لتهريب الذهب، كما يتوجب أن تنسق الجهات الحكومية المعنية فيما بينها، لمكافحة هذه الظاهرة.

من الاسباب المباشرة لتهريب الذهب وتفضيل بيعه في دول اخرى او حتى في العراق، هو تواجد سعرين للدولار سعر صرف رسمي يحدده البنك المركزي، وسعر صرف آخر في السوق الموازية يكون عادة أعلى.

ان مهربي الذهب وكثير منهم من المتنفذين واصحاب الاموال، يحاولون شراء الذهب بسعر الصرف الرسمي للدولار وهو بحدود 1320 دينارا للدولار مستفيدين من فرق السعر في السوق الموازي الذي يتراوح بحدود 1500 دينار للدولار فيحصلون على الفرق في داخل العراق او يبيعونه في الخارج بسعر الدولار الموازي عادة او بأكثر من ذلك، مستغلين أسعار الذهب التي تتأثر بآليات العرض والطلب في السوق.

والملاحظ ان تهريب الذهب يؤثر على الأسعار المحلية، اذ يجري إدخال الذهب المهرب إلى السوق بأسعار تختلف عن الأسعار الرسمية، وان التضخم الذي يتزايد في العراق يؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب بشكل مستمر، فيجري استغلال الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تؤثر على سعر الذهب، حيث يلجأ الناس إلى شرائه كملاذ آمن.

لذلك يستغل المهربون عملية شراء الذهب في العراق وفي الخارج بسعر أعلى من السعر الرسمي للدولار، وهذا السعر يتغير باستمرار؛ وقد تكون هناك بعض المحال أو البنوك التي تقدم خيار شراء الذهب بسعر الدولار الرسمي، ولكن هذا الأمر ليس شائعا، لاسيما في اسواق الدول الاخرى التي يستهدفها المهربون.

ومن المعلوم ان البنك المركزي العراقي، كثيرا ما يقرر بيع السبائك والمسكوكات الذهبية بوساطة "منصة إلكترونية"، وعادة ما تجري عملية البيع بحسب سعر الدولار الرسمي، اذ يشدد البنك المركزي على اتاحة الفرص لشراء الليرات والسبائك الذهبية بسعر الدولار الرسمي البالغ 1320 دينارا لكل دولار، وذلك ضمن سياقات عمل البنك المركزي، بحسب بيانات البنك.

وبحسب البيانات فان العراق يمتلك احتياطيا من الذهب يقدر بنحو 153 طنا، وذلك يجعله يحتل المرتبة الثالثة في المنطقة العربية بعد السعودية ولبنان.

وبالعودة الى عملية التهريب في مطار بغداد، التي كشفت   عن أن المتهم حاول تهريب  13  سبيكة ذهب بوزن 13 كيلوغراما و700 غرام؛ فان مصادر قالت ان من قام بالتهريب موظف لدى شركة الخطوط الجوية العراقية ويعمل في الشركة بصفة معاون ربان طائرة، لكنه كان مسافراً على متن الطائرة، واستغل وظيفته لتسهيل مروره عبر نقاط التفتيش في داخل المطار، على حد وصف تلك المصادر، التي اوضحت أن المتهم بعملية تهريب الذهب كان ينوي السفر إلى تركيا عبر الخطوط الجوية العراقية، وكانت عليه مؤشرات أمنية سابقة، دفعت إلى القبض عليه قبل صعوده إلى الطائرة، في آخر نقطة تفتيش، بحسب قولها.

واشارت بالقول أن "المتهم مرتبط بشبكة تهريب عراقية لها ارتباطات داخلية وخارجية، كذلك هناك علاقة لهذه الشبكة بطرف سياسي عراقي، يعمل منذ اعتقال معاون ربان طائرة للضغط من أجل إطلاق سراحه ومنع إثارة الموضوع بشكل أكبر من خلال كشف تفاصيل أكبر وأخطر عن الشبكة وحجم عمليات التهريب التي قامت بها طيلة الفترات السابقة"، على حد قولها.

وارتباطا بالأمر، تحدثت لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة  النيابية، عن تواجد شبكة وصفتها بـ"الخطيرة" تقف وراء عمليات تهريب الذهب من العراق، وهو ما قد يعرض العراق إلى عقوبات دولية بسبب التأثير على سوق الذهب في العالم. 

ويقول نائب رئيس اللجنة ياسر الحسيني، إن "عمليات تهريب الذهب ليست وليدة اليوم، بل هي تجري منذ فترة طويلة جداً، وهناك شبكة خطيرة وكبيرة متورطة بتلك العمليات وهذه الشبكة لديها ارتباطات بجهات داخلية وحتى خارجية"، مشيرا الى أن "إحباط عملية تهريب الذهب مؤخراً في مطار بغداد، كشفت بعض تلك الشبكة، وهذا ما ولد ضغطاً سياسيا من أجل إخفاء الحقائق ومحاولة تزيف التحقيقات".

اما المختص في الشؤون الاقتصادية، ناصر الكناني، فقد حذر من خطورة استمرار عمليات تهريب الذهب من داخل العراق إلى دول اخرى، بالقول أن "استمرار عمليات تهريب الذهب، قد يدفع إلى عقوبات دولية مختلفة من الولايات المتحدة الأميركية وغيرها فهذه العمليات تؤثر على سوق الذهب العالمي، ولهذا كان هناك توجه حكومي لوضع منصة خاصة باستيراد الذهب، حتى تكون العمليات تحت المراقبة والمتابعة".