كما تحول صراف النقود البشري إلى صراف آلي وتحولت الطائرة التي يقودها طيار بشري الى طائرة مسيرة فان هناك من يدعو الى استبدال القاضي البشري بقاض آلي يعمل وفق أنظمة متطورة للذكاء الالكتروني.
في السنوات السابقة ازداد نطاق استخدام الذكاء الرقمي والصناعي في عمل المحاكم والمؤسسات القضائية فتطورت نظم التقاضي في بعض الدول لتصبح نظما للتقاضي عن بعد ووصل الامر لتطوير نظم التوثيق فارشفت الكثير من القضايا الكترونيا بعد ان كانت تحفظ ورقيا وسهلت الحواسيب الرقمية مهمة الوصول الى سوابق قضائية للاستعانة بها عند نظر القضايا المماثلة وكل ذلك كان معقولا ومقبولا لانه يساعد في زيادة انتاجية القضاة والمحاكم وسرعة انجاز القضايا الا انه من اللامعقول واللامنطقي هو ان البعض اخذ يدفع باتجاه ان تحل الآلة الرقمية كقاض صناعي محل القاضي البشري في نظر النزاعات وفضها واصدار الاحكام بعد تغذيتها بالمعلومات الكاملة عن اطراف الدعوى ومستنداتهم اي اننا والحالة هذه سنكون امام قضاء بلا قضاة.
يبرر مؤيدو فكرة القضاء الصناعي رؤيتهم بان القاضي الصناعي حيادي وغير متحيز ولا يمكن استمالته او استعطافه من قبل اي طرف من اطراف الدعوى لانه خال من العواطف والأحاسيس إضافة الى أن الآلة الرقمية تمتاز بالدقة والسرعة في الوصول الى النتائج وباعتقادي فان من يذهب بهذا الاتجاه لا يعي جيدا طبيعة المهمة القضائية وخصوصيتها وما يحيط بها من ظروف قانونية وإنسانية، لان النظم القانونية كافة وفي معرض بيانها لآليات واجراءات التقاضي واصدار الاحكام اوضحت ان من يصدر الاحكام هو القاضي ذو الطبيعة البشرية الإنسانية وانك ان جردت القضاء من الطبيعة البشرية الملازمة له فانك ستجرد الأحكام من روحها وعدالتها والجوانب الإنسانية التي لا يمكن لأي آلة رقمية أن تستشعرها حتى ان القوانين الجزائية والمدنية اعطت سلطات تقديرية واسعة للقضاة في تقييم وتقدير الادلة والشهادات وبيان ما يصلح منها لان يكون سببا للحكم وما لا يصلح.
وان كافة النظم القانونية اكدت على ان المحاكم تصدر احكامها وفقا لوجدانها ولقناعتها المستندة الى ادلة الدعوى ومستنداتها وهذا الوجدان وتلك القناعة لا يمكن تصورهما الا مع بني البشر اضف الى ذلك ان اللجوء للآلة الرقمية كبديل عن القضاء البشري يأكل من جرف العدالة الشيء الكثير سيما ما يتعلق بظروف التشديد والتخفيف والتي تحتاج مشاعر إنسانية لتقديرها ونحن جميعا شاهدنا فيديوهات مسجلة لجلسات محاكمة يعقدها قاضي الغرامات الأميركي المعروف بإنسانيته فرانك كابريو وكيف انه يعفي المتهم من دفع الغرامة رغم توافر الأدلة بحقه لاسباب انسانية خوله القانون اللجوء اليها في الاعفاء من العقوبة وان لجوء المشرع الى مشاعر واحاسيس القاضي وإعطائها سلطة تقديرية واسعة ليس إلا إقرارا بان القاضي هو الأقرب للواقعة والاقدر على موازنة الأحكام وفقا لظروف القضايا وان القاضي الجيد لن يسخر تلك العواطف والمشاعر الا في إطارها القانوني والإنساني السليم.