كان ومازال مصير مدن العراق عمران ثم خراب، وحاضرها دائما اسوأ من ماضيها. كنا على تخريباتنا اليومية نورد "خراب البصرة" مثلا، حيث بالأمس البعيد، في القرن التاسع الميلادي، وذلك عندما تم القضاء على حركة الزنج التي قامت في البصرة، والمتمرد علي بن محمد، والذي سيطر على البصرة وامتد نفوذه إلى رقعة واسعة من المناطق المحيطة بها، وقد كان شديداً مع أعدائه إلى حد التطرف، وعامل أسرى الحرب معاملة الرقيق، و وعد أتباعه بأنه سيملكهم المنازل والعبيد، أي تحويلهم من أرقاء إلى ملاك للعبيد.. (القصة كما وردت).
واليوم لما نسمع الخطابات المعسولة للسياسيين العراقيين و قادة أمريكا على المستقبل "المشرق" للبلد، نردد الخراب الجديد ونقول: بعد خراب موصل؟
فالمدينة الأثرية التي كانت جزءً من تأريخ البشرية، اصبحت بقايا تراث داعش الإرهابي وتحت رحمة همجية الحشد الشعبي.
وبعد سقوط بغداد وتحرير (إحتلال) العراق، توقع العالم بأن يصبح البلاد نقطة استراتيجية لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط وبدوخلها تمنع أي خطورة على مصالحها أو أي تهديد على اسرائيل، لكنه أمسى بعكس ذلك.
فليس بلاد النهرين فقط، لم يبقى الا سنوات وتصبح الأقلية الشيعية تحكم المنطقة بأكملها. إنهم الأقلية بأقل من سبعين مليون نسبة الى نصف مليار سني تقريبا.
في الإنتخابات البرلمانية الأسبق، كان أياد العلاوي الفائز الأول ثم نوري المالكي، لكن واشنطن لم يرضى بالأول وأصر على الثاني، مع ان الأول كان يستطيع أن يجعل العراق كما تريده أمريكا، دولة ديموقراطية علمانية تبى على أساس الدستور وتكون دولة مدنية بامتياز، خالي من التمذهب والطائفية ويشكل على اساس بناء مؤسسات.
ولكن ربما الأصح بأنهم كانو يدعون تلك الشعارات كي تبرر احتلالهم.
إذا كان سياسة بريطانيا العظمى في عهد إستعمارهم (فرق تسود)، فسياسة أمريكا هي: (إبقى النزاع مشتعلا كي تبقى سيدهم) فلهذا هم اختارو المالكي، وكانو يعلمون جيدا بأنه يذهب بالعراق الى التهلكة! وقد فعل، فلولاه لما كان تنجح الطبخة الدولية التي جاء بداعش ولا سيناريوهات التي سبقتها ولا التي أتت و تأتي بعدها.
والآن، بعد فشل كل تلك السياسات التي كان المتضرر الأكبر فيها الشعب العراقي، اصبح البلاد إقليم من الجمهورية الاسلامية الإيرانية، بل زيدت الطين بلة، حيث توسع نفوذ إيران الى كل من اليمن ولبنان وسوريا وتغلغلت في شؤون دول الخليج كافة، بما فيها السعودية التي مازالت ترى بأنه يستطيع إصلاح ما خربته السياسات الأمريكية ويرجع السيادة السنية الى سابقتها.
الآن، يريد أمريكا من مرشحها حيدر العبادي، تلك الدولة المدنية التي لم يرتضيها من علاوي، دولة تخالف المرجع ويحد من سيطرة الحشد الشعبي على سياسة العراق، وبذلك يقنع السنة والكورد بأنهم سيدخلون عهدا جديدا ليس كسابقه، ولكن الوقت نفذ والفرصة ربما فات.
فمن يترأس حكومة العراق بعد الانتخابات، لابد له أن يتسلح بالعقلية المدنية والديموقراطية وإعطاء حقوق كل الطوائف و القوميات (شعارات علاوي السابق)، ضف إليها معاندة إيران، والا لن يرضى بها أمريكا دونالد ترمب الذي أخذ الوضع العراقي الآتي اكثر جدية من اوباما، وأنه لا يريد أن يفرط في بصيصة الأمل الذي يراه من مرشحه العبادي، وهو كان السبب الرئيس في رفضهم لإستفتاء إقليم كوردستان.
ولكن مع كل تلك الإطراءات، لن يبقى العراق موحدا الا بثلاث أقاليم كونفدرالية، لأن الفدرالية حتى لم تعد تنفع، ويكون عاصمتهم البصرة، موصل وأربيل، ويكون كل منهم مستقل في موارده.
السؤال هنا، هل يفلحون في ذلك؟