على الإعلام العربي ومتابعه المتطلّب الجلاد، أن يعلم جيداً، ويدرك هذه الحقيقة بعينه وعقله، أن هناك فرقا شاسعا بين أن تتنحّى وتقدّم استقالتك وبين أن ترفض في تمديد ولايتك الرئاسية؛ هناك فرق كَعلُوّ الجبال بين أن يطالب شعبك في تنحّيك من الرئاسة وبين أن يتظاهر شعبك في أن تعود إلى سدّة الحكم من جديد؛ هناك فرق كالبحار في أن تعدّل الدساتير وتشرعن القوانين في سبيل أن تبقى رئيساً وتعبد كرسياً من خشب أو ذهب وبين أن ترفض في أن يجدّد لك شعبك ولاية رئاسية أخرى بمحض إرادته، فكفاك غارقاً في أوهامك المريضة وأحلامك الفارغة بأن الرئيس مسعود بارزاني استقال أو تنحّى، بل رفض في أن تمدّد فترة رئاسته، وكالعظماء، فخلّده التاريخ وهو في الدنيا، وسيخلّده وهو في الآخرة.
لا يحقّ للشعوب العربية والإسلامية أن تقارن رؤسائها وملوكها وحكّامها برئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني، فهو لم يتجبّر ولم يتكبّر على شعبه وقضيته ووطنه، مثلما فعل زين العابدين بن علي بالتونسيين «حكم تونس 24 عاماً»، ومعمر القذافي بالليبيين «حكم ليبيا 42 عاماً»، وصدام حسين بالعراقيين «حكم العراق 24 عاماً»، وحسني مبارك بالمصريين «حكم مصر 30 عاماً»، وعلي عبد الله صالح باليمنيين «حكم اليمن 34 عاماً»، وأيضاً الرؤساء الحاليين، كبشار الأسد الذي لا زال يفتك بالسوريين بجنود إيرانيين وطائرات روسية «حافظ الأسد حكم سوريا 30 عاماً، وابنه بشار 17 عاماً وحتى الآن»، وعمر البشير الذي جوّع السودانيين وأهلكهم «حكم السودان 29 عاماً وحتى الآن»، والقائمة يدركها القارئ العربي في أنها طويلة.
الشعب العربي والإسلامي تظاهر واعتصم بالملايين، من المحيط إلى الخليج، مطالباً بإسقاط الأنظمة الديكتاتورية وحكّامها، فيما الشعب الكوردي وعقب كلمة الرئيس مسعود بارزاني في عدم تمديد ولايته الرئاسية تظاهر بشكل مجنون وجمع آلاف التواقيع – رافضاً – ترك رئيسهم لمنصبه في السلطة، ذلك أن بارزاني كان زعيماً كوردياً ورئيساً عنيداً شجاعاً ضدّ أعداء شعبه، أما حكّام العرب الذين ظلّوا يحكمون شعوبهم بسياسة التجويع والترهيب والقوة العسكرية، فكانوا معروفين لدى شعوبهم بأنهم طغاة وسَرَقَة الأوطان وعَبَدَة الكراسي والمناصب، تحت حجج المؤامرة الكونية ومحور الممانعة والمقاومة «المحور الذي باع الجولان ولواء إسكندريون وجنوب لبنان وفلسطين» ومحاربة الإرهاب «تخلّصوا من داعش، واليوم يؤسّسون ماعش»، والتي ألّفوها، وحكموا بها، فهم يندّدون بوعد بلفور علناً، ويصفّقون لإسرائيل سرّاً، يحاربون اتفاقية سايكس – بيكو، وتحت الطاولات يطالبون بتجديد عقدها.
لقد قالها مراراً وتكراراً، ومنذ أكثر من عام، بأنه سيسلّم دفّة الرئاسة لأيّ شخص يختاره الشعب أو يرشّحه، وأنه لن يرشّح نفسه، وطالب بعدم تعديل قانون الرئاسة لأجله، وليؤكد ”يكفي بُهتاناً عليّ بأني متمسّك بالرئاسة“، ومَن يتابعه سيتأكّد أنه لم يسعَ للرئاسة أبداً، حيث في نهاية شهر أكتوبر صادق برلمان إقليم كوردستان على قراره، الذي ينصّ على توزيع سلطاته للبرلمان ورئاسة الحكومة والقضاء، وفعله يعبّر عن مدى حبه وإخلاصه لكوردستان، والحرص والحفاظ على المكتسبات القومية، وإعطاء صورة أجمل وأرقى لكوردستان أمام المحيط الإقليمي المهووس بالسلطة والمنصب والنفوذ، وحتى أمام العالم، بل فضّل عليها البيشمركايتي، وسيبقى مرجعية سياسية ورمزاً قومياً لدى الشعب الكوردي «أنجز ورقة وصكّاً كوردستانياً، لم يسبق لأحد من قبله وأن فعلها».
هو لم يرتعب من الحرب والاغتيال مثلما هرب صدام حسين ومعمّر القذافي ارتعاداً، واختبأ كلاهما في جحور خاصة بهما تحت الأرض «خوفاً من التصفية»، وأعلن عن عدم ترشّحه لولاية رئاسية أخرى، وبشكل حضاري وأمام الرأي العام، وعاد إلى مكانه الحقيقي بين الخنادق والجبال، في حين قدّم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من العاصمة السعودية الرياض «إن كان دمه فداء للبنان فلماذا لجأ إلى السعودية وقدّم استقالته من هناك؟».
لا بدّ للمثقف العربي الذي يشمت بالمثقف الكوردي أن يخجل من نفسه، ويفكر بوضعه ومآسي شعبه ويكتب بلغة العقلاء الكبار واقفاً ضد ظلم أنظمته ناقداً قرارات قادته وحكّامه، وليستمع لأوجاع أخيه العربي، ويكون منصفاً في المقارنة بين الرؤساء العرب والغرب الأحياء والأموات، ففي أمريكا قد ترى خمسة أو ستة رؤساء سابقين أحياء «أمريكا وراء قتل خمسة رؤساء عرب سابقين، فهل العرب قادرون أن يكونوا وراء سجن رئيس أمريكي واحد»، وفي فرنسا ثلاثة أحياء والرابع يحكمها رئيس شاب، وفي روسيا رئيسان أحدهما حكم سابقاً والآن، والآخر لا زال يعمل في السياسة، وفي بريطانيا أربعة أحياء والخامس تحكمها امرأة، أما في الدول العربية فقد تزور قبور 5 أو 10 رؤساء سابقين، إما اعدموا، أو سجنوا، أو هربوا أو ماتوا ميتة ملعونة.
بارزاني الرئيس والقائد والبيشمركة، أمضى كل عمره مع رفاقه وشعبه في النضال، قارع الظلم ونظاماً ديكتاتورياً عاتياً من أجل كوردستان، أخطأ خلالها وأصاب «أكبر خطأ ارتكبه بارزاني في أن لم يكن ديكتاتورياً في وجه الخونة، من بافل ولاهور وهيرو وآلاء، وآخرون»، وعندما يصافح الأعداء لا يعني أنه يصادقهم أو يصالحهم أو ينسى ما فعلوه به وبشعبه، بل إنها السياسة والحرب، فهو لم يضع يده في يد صدام حسين، ليبقيه الأخير رئيساً وزعيماً، مثلما يفعل حكّام العرب مع إسرائيل اليوم، لتبقيهم الأخيرة على كرسي السلطة حتى المَمات، حيث يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمام مركز الأبحاث ”شاتام هاوس“ في لندن، أن دول عربية في المنطقة تتجمع حول إسرائيل بشكل لم يتوقعه أبداً في حياته، فعار على عربي أو تركي أو فارسي هو كل ذلك أو بعضه، مثقفاً كان أو سياسياً، أن يرى القذى في عين الكورد، ولا يرى العود في عينه وعين حاكمه الديكتاتور.
كوردياً على حزب العمال الكوردستاني الذي يرى بغالبية قياداته – المعادية لأي مشروع كوردي – أن الدولة القومية التي تبناها الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة مسعود بارزاني فشلت ووصلت الى طريق مسدود «لم يسبق وأن اتهم PKK بالإرهاب، رغم أنه على لائحة المنظمات المحظورة، وبالمقابل لم يبقَ عنصر من PKK، قيادة وقواعد وأنصار، إلا واتهمه بالخيانة والإرهاب»، أن يعمل ليلاً ونهاراً في سبيل إيقاظ أرواح 30 مليون كوردي من غفوته، الذين يتحدثون اللغة التركية حتى بين أنفسهم وفي بيوتهم وأثناء أحلامهم، عليه أن يعمل على تثبيت حقوق الشعب الكوردي في شمالي كوردستان، دولياً وإقليمياً وتركياً، ويناضل في سبيل إخراج زعيمهم عبد الله أوجلان من عزلته ورئيس حزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين ديمراش من اعتقاله، وضرورة إقالة قادته الخائنين المواليين للأنظمة المحتلة لكوردستان، ومحاسبتهم «أين جماهير هذا الحزب – بفروعه في غرب وشمال كوردستان – مما جرى في كركوك، من انتهاكات وخيانات بحق شعب إقليم كوردستان؟».
خلاصة القول تبدأ بقصة القائد الفرنسي الشهير نابليون بونابرت، الذي دُعي في إحدى الأيام إلى حفلة عشاء، فجاء متأخّراً عن الموعد المقرّر لحضوره، فلمّا أتى، جلس على أول مقعد وجده، فقال له صاحب الدعوة والعرق يتصبّب من جبينه: ”سيدي هذا ليس بمكانك، بل مكانك في المنصّة الرئيسة“، فقال له نابليون: ”أينما يجلس نابليون هي المنصّة“، وهكذا مسعود بارزاني، أينما يحل يبقى زعيماً، الزعيم الذي لم يركع إلا لله وللشهيد، ولن يصالح القتلة والخونة.