يجتمعن كل صباح، بنات حسناوات يقطفن الكروم من بستان على سفح هاديء، ثم يجمعنه في أوعية ضخمة، ويرقصن فوق العناقيد المستسلمة لأقدامهن الرقيقة، بينما يسيل العصير عبر أنبوب صغير ليملأ الجرار، وهناك يتذوقه الكبار فيعبرون عن إستحسانهم قبل أن تبدأ رحلة ثانية لصناعة النبيذ الأحمر، وربما الأبيض.
يحرمون الخمر هم المسلمون ويرون فيه إثما عظيما ن وهم يعتمدون في ذلك رؤية دينية ويستندون الى آيات التحريم الواردة في القرآن بتجنب الخمر، ولكن في بقية الأرض لايرون من حرمة للخمر، وعلى أية حال فإن هناك خلاف في ذلك، لكن مايعنينا أن الكرمة لاتكون خمرا بذاتها ولا العنب الذي نقطفه من أغصانها، بل نحن من نصنع ذلك فنختلف بين الحلية والحرمة.
ويسألون، هل إن الديانات خربت حياة الناس كما يروج البعض من معتنقي الأفكار المادية، أم إن الناس هم الذين خربوا الأديان حين إستغلوها ببشاعة لترتيب المصالح المادية، ووظفوها لترسيخ حكم وسلطة خاصة حين تحالف المتدينون مع السلاطين، وثبتوا دعائم الحكم والنفوذ، وصاروا أدوات لقهر العباد من خلال تكريس مفاهيم يأخذها الناس كمسلمات متعلقة بسلطة الحاكم الربانية، وإنه ممثل الإله، أو إن طاعة الحاكم حتى لو كان فاسقا من الواجبات لحفظ المصالح العامة والخاصة.
خرج أصحاب الكهف بسبب المشيئة، وحين تفحصوا الحياة عرفوا أنهم لبثوا في الكهف مدة طويلة وحين وصلوا المدينة التي خرجوا منها فارين ذات يوم إكتشفوا أن الناس تغيروا كثيرا، وإن الديانة التي هربوا لأجلها، وتركوا متع الحياة وزينتها تحولت الى مبان ضخمة وكنائس، ورجال بعناوين عديدة وهم يلبسون الثياب المزينة بألوان عدة ونقوش، ووجدوا علاقة غير طيبة بين رجل الدين والحاكم.
الحقيقة هي أن الناس هم الذين يخربون الديانات ويحولونها الى شركات عابرة للحدود، وفيها رؤوس أموال وموظفين ومدراء، ولها فروع في كل الدنيا، وهناك الملايين من المغفلين يعملون فيها، ويكسبون مصالحهم بشتى الطرق والحيل، ويدخل فيها الكبار والصغار والنساء والرجال والحكام ورجال الدين والمحتالون والكذابون، فيكون لكل فرد منهم نصيب معلوم، ومنهم من يفشل، ومنهم من ينجح في المهمة، ويتحول الدين الى أشبه بكرة قدم تتقاذفها الأرجل