تشكلت الحكومة العراقية الجديدة بعد إنهيار النظام البائد عام 2003 وبدأت بكتابة دستور جديد للعراق , من قبل لجنة برلمانية شكلت لهذا الغرض مثلت فيها جميع الكتل والاحزاب السياسية المشاركة في الحكومة لفترة ليست بالقصيرة , حيث رافقت المناقشات مشادات وإعتراضات وشد وجذب بين الفرقاء السياسيين المكلفين بكتابته ومنها المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها ومن ضمنها كركوك , ومن ثم عرض الدستور للاستفتاء الشعبي من قبل العراقيين وتم التصويت عليه بالموافقة في الخامس عشر من تشرين الاول من عام 2005 بعد مقاطعة بعض الجهات التي لا تريد الإستقرار للبلد في حينه من أجل غايات هم أدرى بنتائجها , على أمل أن تنفذ بنوده خدمة لمصلحة الشعب العراقي , بعيداً عن كل التجاوزات التي قد تقع في المستقبل والاحتكام اليه في حالة ما قد يحدث من إختلاف حول تفسير أية مادة منها واللجوء الى المحكمة الاتحادية لفض النزاع , بعد معاناة العراقيين من النظام البعثي الذي كان عادلاً الى حد ما بتوزيعه الظلم على جميع شرائح المجتمع العراقي المغلوب على أمره .
مرت السنين والإشكالات تتفاقم يوماً بعد يوم , لتباعد الفجوة السياسية بين الشركاء في الحكومة العراقية , ولنسف مبدأ التوافق والشراكة السياسية , وفرض سياسة التهميش وعدم تنفيذ بنود الدستور بحجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان .
وما كان الاستفتاء في كوردستان الا نتيجة حتمية لما سبق من خروقات دستورية لأكثر من خمس وخمسين مادة مع سبق الإصرار والترصد في عدم تنفيذ بنوده , وما آلت اليه أحداث السادس عشر من أكتوبر الماضي زادت في الطين بلة , لعدم وجود الأمن في المناطق المتنازع عليها والتي أصبحت تحت سيطرة الحكومة الاتحادية المتمثلة بالحشد الشعبي والجيش العراقي , مما أضحت الى عدم إستقرار المنطقة , لأن إستقرار العراق من إستقرار كوردستان .
كان الأجدر بحكومة العبادي التفكير ملياً وبجدية حول أسباب إنعدام الأمن في كركوك ومعالجة الخروقات الأمنية التي تحدث بين ساعة وأخرى , من خلال إنتشار قوات البيشمركة الأشاوس وبصورة مشتركة , لقطع الطريق على كل من تسول له نفسه المساس بأمن العراق وكوردستان , والسيطرة على الميليشيات الوقحة والمنفلتة أمنياً ووضع حد لها على تصرفاتها اللامسؤولة والتي لا تنصاع الى الأوامروالتعليمات الصادرة من الجهات الأمنية المختصة .
الى متى نسمع جعجعة ولا نرى طحناً ؟
أليست المناطق المتنازع عليها جزء من العراق ومسؤوليتها تقع على الحكومة الاتحادية ؟ أم تركتها فريسة سائغة لكل من هب ودب مخترقين لسيادة وإستقلال العراق في وضح النهار ليعبثوا بأمنها ويقرروا مصير مستقبلها حسب ما تتماشى ومصالحهم السياسية , وكانت نتائج الاستفتاء الشعبي الذي جرى في الخامس والعشرين من أيلول المنصرم خير دليل على تعطش سكان المناطق المتنازع عليها الى الأمان المفقود بعد إنسحاب قوات البيشمركة منها .