كل المراقبين للوضع العراقي كانوا يشيرون الى حتمية المواجهة بين (بعض الشيعة) والكورد بعد داعش، والسؤال هو: كيف وصلوا الى تلك القناعة وهم على يقين بأن الخارطة السياسية للمنطقة تعيش أحرج مراحلها وتتجه نحو التغيير الحتمي؟ والمنطق والعقل يدعوان الى الحفاظ على المصالح الإستراتيجية والعلاقات الإنسانية بين مكونات وشعوب المنطقة ووضعها في مقدمة الأولويات؟ ولماذا لم يتوقعوا البحث عن الحلول السياسية والعملية السهلة، وطرح وجهات النظر غير المستعصية بخصوص معالجة المشكلات المزمنة والتعامل مع المتغيرات المستقبلية بعقلانية، والتوصل الى حلول؟
هؤلاء لم يكونوا متشائمين، ولامتمنين للخراب والدمار، لكنهم كانوا يلاحظونتعاظم ميل التوازنات لصالح البعض على حساب البعض الآخر، والعيش في أزمات متتالية، وكلما خرجنا من ازمة تلفت الانتباه وتثير الاهتمام، كنا ندخل في ازمة آخرى أشد فتكاً، وكل الأزمات كانت تؤدي الى نتائج متشابهة تحتسب لصالح الذين كانوا يملكون الميليشيات والمال والسلاح ويسيطرون على القوات المسلحة وقوى الامن والاستخبارات، وكانت تصب في خانة الخسائر المتكررة بالنسبة لغيرهم، ولشعب كوردستان بالذات الذي ظل مصمماً على إنتزاع حريته والتمتع بها، عبر الحوار والتفاهم ونبذ العنف، لأنه يعلم أن العنف لا يصلح كوسيلة لمعالجة المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتراكمة والمعقدة، لذلك كان يبدي المرونة في الكثير من الأحيان، إلا أن البعض من أصحاب القرار في بغداد، تجاهلوا الواقع وحدوده المعقولة، وأفشلوا كل محاولات التوصل الى الحلول المقبولة.
في المقابل، ظل الشعب الكوردستاني مجبراً على الدفاع عن نفسه، وهذا الإجبار تطلب على الدوام تعبئة الطاقات وزيادة القدرات وحماية الأنفس والمكتسبات، وحتى القبول بتمرير بعض المعالجات الجزئية والسطحية لمشكلات وخلافات جذرية. ولكن خضوع (بعض الشيعة) للأجندات االخارجية وثقافة الإستعلاء والتسلط والعقلية الإستبدادية وسوء النية، مهدت لإرتكاب أخطاء جديدة ربما أكثر فداحة من أخطاء صدام وحزب البعث. واليوم وفي ظل المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية التى تنذر بتغيير الكثير من الأمور، وبالذات بعد الإستفتاء الذي عبّرت فيه الغالبية العظمى من الكوردستانيين عن رغبتهم في إقامة دولة مستقلة. وبعد ما حصل من إعتداءات على الحقوق الدستورية والقانونية للكورد عبر قرارات جائرة من قبل البرلمان وحكومة العبادي في بغداد، وبعد الدعوات العلنية الشوفينية التي تطالب بمحاربة الكورد بحجج وذرائع مختلفة وتحشيد القوات، والمطالبة بالغاء أوتجاهل رغبة ملايين المواطنين الذين عبّروا عن رغبتهم وبشكل واضح في الإستقلال عن العراق. نسمع في كوردستان، أصواتاً تدعو الى قطع شعرة معاوية بين أربيل وبغداد، وإلغاء المشاركة الصورية هناك، والتفاعل مع الخطوات الإيجابية والواقعية وتثبيت الأقدام أمام المتغيرات الحاصلة في البلاد والمنطقة، وتعبئة الطاقات وتنظيم وترتيب البيت الداخلي الكوردستاني لمواجهة كل الإحتمالات، وعلى كل المستويات والصعد والإستناد بثقة عالية وقناعة راسخة على شرعية المقصود والهدف. وهناك من يدعو الى اللجوء الى الحوار مع بغداد لوضع النقاط على الحروف حتى استنفاد كل الجهود التفاوضية والدبلوماسية معها.
الحقائق والوقائع على الأرض (حسب وجهات نظر المراقبين) تشير الى إستحالة بقاء الأوضاع الحالية على حالها، وإستحالة إلغاء إرادة ملايين الشخاص الذين عبّروا عن رأيهم بوضوح، وإستحالة تراجع البعض عن التعنت والإصرار على اللجوء الى الخيار العسكري المر وتكرار تجارب الحكومات العراقية السابقة المدمرة. وهذا يعني: أننا نعيش على برميل من البارود وبركان من الغضب.