عن طريق الصدفة وأحيانا عن طريق التجربة عرف الانسان قدرة بعض النباتات على تسكين آلام بعض الامراض والشفاء منها الا انه في الوقت ذاته اكتشف ان لبعض النباتات تأثيرات غريبة عند المضغ او الاستنشاق كالخشخاش والقات تؤثر على وعيه وقدراته العقلية والنفسية وفي تراث الحضارات القديمة وجدت كتابات ونقوش على جدران المعابد تدل على معرفة الانسان على مر العصور للمواد المخدرة واستخدامه لها فالهندوس على سبيل المثال كانوا يعتقدون ان الإله ( شيفا ) هو من يأتي بنباتات القنب من المحيط ثم تأتي باقي الالهة لتستخرج منه ما يسمونه بالرحيق الالهي ويقصد به الحشيش.
المخدرات أضحت آفة خطيرة تغولت وابتلعت عددا كبيراً من الشباب في مختلف المجتمعات والأثر السلبي لتعاطي المخدرات لا ينعكس على المدمنين واسرهم فقط، وانما تمتد هذه الآثار لتشمل المجتمع كنسيج اجتماعي واحد فبعض من الجرائم ترتبط بتعاطي المخدرات كحوادث الدهس كذلك فان بعضا من الجرائم الاخرى ترتكب تحت تأثير المخدرات كالقتل والاغتصاب ليس ذلك فقط بل ان هناك الكثير من الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها الدول من جراء تفشي ظاهرة المخدرات وهذه الخسائر تتجلى في الإنفاق الحكومي العام على مكافحة الظاهرة كتشكيل الدوائر والاجهزة المختصة بمكافحتها من شرطة وحرس الحدود ودوائر الكمارك والطب العدلي وشراء الاجهزة الكفيلة بكشفها وتحديد نوعها وما ينفق على النزلاء في السجون وما يرافقه من انفاق على برامج العلاج وإعادة التأهيل.
وليست المتاجرة بالمخدرات بالجريمة العادية بل هي شكل من اشكال الجريمة المنظمة العابرة للحدود والتي يجري ارتكابها وإحداث نتائجها في اكثر من دولة والمخدرات كشكل من اشكال الجريمة المنظمة ونوع من انواع الاجرام الجسيم تمثل التحدي الاكبر والابرز لاجهزة العدالة الجنائية لكافة الدول لاسيما بعد ما شهده العالم من انفتاح اقتصادي وتغيير في السياسات الاقتصادية والتي تتبنى مبدأ حرية التجارة وتلاشي الحدود بين الدول كالاتحاد الأوربي.
في العراق فان الامر لا يختلف كثيرا عن باقي الدول في ما يتعلق بمتاجرة المخدرات وترويجها وان كان العراق في السابق احد الممرات لترويج المخدرات بين دول المنطقة ففي الوقت الحاضر اصبح الدولة التي يجري فيها صناعة المخدرات وتطوير انواعها لاسيما صناعة مادة الكرستال وزراعة نبتة الخشخاش التي تستخدم في انتاج مادة الحشيشة وعلى مستوى التشريع فان العراق من المصادقين على اتفاقية المخدرات للعام 1961 وتنفيذا لالتزاماته الدولية شرع قانون مكافحة المخدرات رقم 68 لسنة 1965 الا ان ذلك لم يكن كافيا لمنع وتحجيم تجارة المخدرات وترويجها وازدياد عدد متناوليها والمدمنين عليها.
ولم يعد الامر مرتبطا بالمخدرات الواردة من خارج الحدود حيث أثبتت التحقيقات في بعض القضايا التي حققت فيها محاكم التحقيق إمكانية صناعة بعض المواد كالكريستال في مطابخ البيوت العادية وازاء ما تمثله هذه الظاهرة من مخاطر على صحة الافراد وسلامة المجتمع فان اجهزة انفاذ القانون امام تحد كبير يتمثل في تقويض اثر هذه الجريمة واحالة مرتكبيها الى القضاء وقد يشكل تشريع قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 والذي سيدخل حيز النفاذ بعد ايام عاملا مهما في مكافحة المخدرات لاسيما وانه نص على تأسيس هيئة وطنية عليا للمخدرات والمؤثرات العقلية التي ستأخذ على عاتقها وضع الاستراتيجية الوطنية الشاملة لمكافحة تجارة المخدرات والتي ينبغي ان تكون مساهما حقيقيا في الحد من رواح المخدرات واستخدامها.