منذ إعلان نتائج الانتخابات لمرشحي مجلس النواب العراقي في الدورة الخامسة التي أجريت في (10 تشرين الأول 2021) من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبمتابعة حثيثة من قبل بعثة الأمم المتحدة في العراق أفصحت كثير من الكتل السياسية عن مواقفها من نتائج الانتخابات وأنها لم تحصل على العدد المطلوب للمقاعد،وتوجيه كيل من الاتهامات للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بحجة سرقة أصوات الناخبين والتلاعب بالنتائج والحديث عن الهكر الهندي والأفريقي والمصري واتهام الإمارات العربية المتحدة بتزوير النتائج، وهكذا دواليك وتلك الكتل السياسية التي لم تحصل على المقاعد حسب ما كانوا يخططون له من حيث الدوائر الانتخابية المتعددة فضلًا عن معاقبة الجماهير لتلك الكتل السياسية ذات الصبغة الولائية كما أن هذه الانتخابات بيّنت الحجم الحقيقي لكل كيان سياسي، وقد قدّمت الكتل السياسية (1346) طعنًا في نتائج الانتخابات،ومن ثمَّ رُدَّ معظم الطعون من قبل مجلس المفوضين، ويرى المراقبون للشأن السياسي والمنظمات الدولية والمحلية المهتمة والمعنية بالانتخابات بأن الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت بدورتها الخامسة هي من أنزه الانتخابات العراقية التي أجريت سابقًا على الرغم من التحديات للظروف الأمنية والاقتصادية والسياسية الصعبة التي تمر بها البلاد .
طالبت الكتل الخاسرة بإلغاء نتائج الانتخابات ثم طالبوا بإعادة الانتخابات فكان رد المحكمة الاتحادية واضحًا وصريحًا وردت تلك الدعوات .
وبعد المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية في يوم الإثنين (27كانون الأول 2021) ومن ثَمَّ أعلن رئيس جمهورية العراق المنتهية ولايته (برهم صالح) من خلال توقيع المرسوم الجمهوري بدعوة مجلس النواب الجديد للانعقاد في يوم الأحد (9 كانون الثاني 2022).
ثم عُقدت الجلسة الأولى في مجلس النواب العراقي على الرغم من محاولة (محمود المشهداني) رئيس السن بعرقلة سير الجلسة ورفعها إلى إشعار آخر متذرعًا بالاعتداء عليه من قبل أحد النواب ونُقل إلى المستشفى ومن ثم أثبت التقرير الطبي (للمشهداني) عن استقرار وضعه الصحي وكانت تمثيلية ولائية بائسة من قبل قادة الإطار التنسيقي وجيء برئيس السن (خالد الدراجي) بديلًا عن (المشهداني) واختير (محمد الحلبوسي) رئيسًا لمجلس النواب العراقي عن حزب (تقدَّم) و(حاكم الزاملي) نائبًا أولًا عن (الكتلة الصدرية) والدكتور (شاخوان عبدالله) نائبًا ثانيًا عن (الحزب الديمقراطي الكوردستاني)،تطبيقًا للمادة (55) من الدستور العراقي" ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسًا،ثم نائبًا أول ونائبًا ثانيًا بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر" .
وبعد عملية انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه فُتِحَ باب الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية حسب الشروط التي تنطبق على المرشح .
لمن ستكون رئاسة الجمهورية ؟
اعترض الحاكم العسكري (پـول بريمر) بعد سقوط نظام البعث تولي السيد (جلال طالباني) رئاسة الجمهورية لكن الإدارة الأمريكية والسفير الأمريكي في العراق (زلماي خليل زاد) كان من المؤيدين لترشيح شخصية كوردية لمنصب رئيس الجمهورية ولم يكن الأمر سهلًا لوجود بعض العقبات أن تتولى شخصية كوردية لهذا المنصب لوجود بعض العقليات التي ترى بأن العراق بلد عربي وليس من حق الكوردي أن يكون رئيسًا لهذا المنصب !
علمًا أن العراق بلد متعدد القوميات كالكورد وهم ثاني أكبر قومية بعد العرب في العراق.
وقد جرى العُرف السياسي في العراق أن تكون رئاسة الجمهورية للكورد ورئاسة الوزراء للشيعة ورئاسة الپـرلمان للسُّنة بحسب الاتفاقات والاستحقاقات الانتخابية ولا توجد مادة دستورية تقول بأن الرئاسة للحزب الفلاني أو طابو مسجل للحزب الفلاني .
وكذلك جرى عرف سياسي بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني ( الپـارتي ) والاتحاد الوطني الكوردستاني (اليكتي ) بعد تشكيل أول انتخابات تشريعية في سنة (2006) أن تكون رئاسة الجمهورية للاتحاد الوطني الكوردستاني وشكّل تحالف كوردستان منذ سنة (2006) حتى سنة (2018)، فكانت هناك رؤى مشتركة بين الحزبين حول إقليم كوردستان ، فكان (جلال طالباني) رئيسًا لجمهورية العراق لدورتين ومن ثم جاء بعده الدكتور (فؤاد معصوم) وتدريجيًا انتهى هذا التحالف بين الحزبين ( الپـارتي واليكتي) لاسيما بعد إصرار الاتحاد الوطني الكوردستاني ( اليكتي) على ترشيح الدكتور (برهم صالح) المنشق من الاتحاد وعاد من جديد إلى صفوفهم مقابل ترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية ولم يكن هناك اتفاق مبرم بين (الپـارتي واليكتي) على ترشيح (برهم صالح) كمرشح وحيد وكان الپـارتي معترضًا على آلية ترشيحه ولهذا طرح (الپـارتي) مرشحه الدكتور (فؤاد حسين) لكن لم يلتزم (اليكتي) بالاتفاق مع (الپـارتي) واعترض (الپـارتي) على آلية الترشيح المتعارف عليه مما اضطر أن يسحب (الپـارتي) مرشحه (فؤاد حسين) .
وكان عدد مقاعد الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الدورة الرابعة (25)مقعدًا والاتحاد الوطني الكوردستاني (18) مقعدًا وأجريت الانتخابات لمجلس النواب الكوردستاني بدورتها الخامسة في (30 أيلول 2018)
وحصد الحزب الديمقراطي الكوردستاني (45) مقعدًا وحصد الاتحاد الوطني الكوردستاني (21) مقعدًا وبعد المصادقة على نتائج الانتخابات واختيار السيد
(نيچـيرڤـان بارزاني) رئيسًا لإقليم كوردستان وجرى التصويت بحضور أغلبية الأعضاء وحصل السيد ( نيچـيرڤـان بارزاني) على (68) صوتًا من مجموع (81) نائبًا من الحاضرين من أصل مجموع (111) نائبًا هم عدد أعضائه الكلي .
وقاطع الاتحاد الوطني الكوردستاني ( اليكتي ) جلسة الپـرلمان الكوردستاني ولم يصوتوا للسيد (نيچـيرڤـان بارزاني) على الرغم من ذلك فقد بقت العلاقة مع (اليكتي) ولم يقل (الپـارتي) بأن (اليكتي)يحاول شق صف البيت الكوردي وإن كان هناك علامات استفهام على بعض توجهاتهم وسلوكياتهم تجاه إقليم كوردستان .
وفي انتخابات الدورة الخامسة لمجلس النواب العراقي حصل (الپـارتي)على (31) مقعدًا على الرغم من اختلاس مقعدين لصالح (اليكتي) الأول في نينوى والثاني في أربيل وأخذ (الپـارتي) المسألة بروح رياضية ووصل عدد مقاعد(اليكتي) إلى(18)مقعدًا في حين أن (اليكتي) حرم حركة (التغيير) التي تحالفت معه من الحصول على أي مقعد !
ألم يكن (اليكتي)مقصرًا تجاه حركة (التغيير) التي تحالفت معه التي تدعي وحدة الصف الكوردي ؟!
وبعد إعلان النتائج وعدد المقاعد لكل التحالفات والأحزاب والمستقلين كان (الپـارتي) قبل ذلك وبعده يجري جولات مكوكية إلى الكتل السياسية وبدأ من الأحزاب الكوردستانية لكي يذهبوا موحدين إلى بغداد ولاسيما مع (اليكتي) الحليف الاستراتيجي وشريك (الپـارتي) في تشكيل حكومة إقليم كوردستان وسياسة (الپـارتي) تهدف إلى وحدة الصف وتقريب وجهات النظر مع المختلفين والمعارضين وتكوين جبهة واحدة في بغداد وترميم البيت الكوردستاني بعيدًا عن التشققات والاصطفافات الخارجية ويقدّم التنازلات على حساب استحقاقه الانتخابي من أجل توحيد البيت الكوردي لكن ما نراه أن (اليكتي) يفعل عكس ذلك وكأنَّ محاربة (الپـارتي) أصبحت قضية وطنية من وجهة نظرهم لاسيما أنَّ هناك تأثيرًا إقليميًا على بعض الشخصيات القيادية في صفوفهم !
ليس من صالح الكورد أن يكون متفرقين في بغداد، قبل ذهاب (اليكتي) إلى بغداد كان متفقًا مع (الپـارتي) نوعًا ما وعندما بدأت جلسة التصويت لاختيار رئيس مجلس النواب والمنافسة كانت بين (محمد الحلبوسي) و(محمود المشهداني) وانتهت تلك المنافسة لصالح (الحلبوسي) بحصوله على (200) صوت بينما حصل (المشهداني) على (14) صوتًا فقط !
وحصل النائب الأول (حاكم الزاملي) على (182) صوتًا وحصل النائب الثاني الدكتور (شاخوان عبدالله) على (180) صوتًا .
ولم يصوِّت ( اليكتي) لصالح النائب الثاني عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني بل غادر القاعة مع الإطار التنسيقي !
ولهذا السبب طرح (الپـارتي) مرشحه القيادي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني (هوشيار زيباري) لمنصب رئاسة الجمهورية من خلال التحالف الرباعي بين (البارزاني والصدر والحلبوسي والخنجر) .
ولا يوجد أي مؤشر في المحاكم أو هيئة النزاهة ضد (هوشيار زيباري) وملفه القانوني نظيف ولا يوجد عليه أي ملف من ملفات الفساد وإقالته كانت لأسباب سياسية بحتة وليست قضايا فساد .
ومن الجدير بالذكر أن شخصية (هوشيار زيباري) من الشخصيات السياسية الدبلوماسية التي ساهمت بشكل كبير جدًا بإعادة الثقة بين دول العالم والعراق من خلال فتح السفارات والقنصليات في العراق بعدما كانت كثير من الدول مترددة من فتح سفاراتها وقنصلياتها في العراق نتيجة للأوضاع الأمنية فيها وكذلك دوره بإخراج العراق من تحت البند السابع من خلال قرار مجلس الأمن الدولي .
واليوم نرى أعداء إقليم كوردستان يذرفون دموع التماسيح على البيت الكوردي وأن طرح اسم (هوشيار زيباري) للسباق الرئاسي إلى قصر السلام سيقوِّض إقليم كوردستان وتحدّث تشققات بداخل إقليم كوردستان وفي البيت الكوردي !
منذ متى وأعداء الكورد يهتمون بتوحيد البيت الكوردي ؟!
وهنا نطرح تساؤلًا ...
هل هناك فقرة أو مادة قانونية أو دستورية أو اتفاق سياسي على أن يكون منصب رئاسة الجمهورية من حصة (اليكتي) ؟!
وتجدر الإشارة إلى أن منصب رئاسة الجمهورية عرضت على فخامة الرئيس ( مسعود بارزاني) في سنة (2004) لكنه رفضها وفضّل أن يبقى في كوردستان من أجل شعبه، وطلب أن يكون الراحل ( جلال طالباني) رئيسًا للعراق !
إذا كان الاتحاد يقولون بأن (الپـارتي) يُحدث شرخًا في البيت الكوردي فكيف يقومون بترشيح شخصيتن من الحزب نفسه وهما (برهم صالح) و (لطيف رشيد) الذي يدعي بأنه مرشح مستقل !
وكان (لطيف رشيد) أحد المرشحين في الدورة الرابعة وهو عديل الراحل (جلال طالباني) إلا أنه انسحب بسبب تدخل الدول في اختيار رئيس الجمهورية !
حتى الآن عدد المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية هو (26) شخصية ومن بينهم (11) شخصية كوردية .
وتكون آلية انتخاب رئيس الجمهورية حسب المادة (70)من الدستور العراقي أولًا: ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيسًا للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد أعضائه.
ثانيًا: إذا لم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية المطلوبة يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات ويعلن رئيسًا من يحصل على أكثرية الأصوات في الاقتراع الثاني .
أي أن المرشح لهذا المنصب بحاجة إلى(220)صوتًا وهو ما يُشكِّل ثلثي عدد الأعضاء في مجلس النواب وفي حال عدم حصول أي مرشحين على الأغلبية المطلوبة سيكون التنافس بين المرشحين لمن يحصل على أعلى الأصوات ومن ثم يُعلن رئيسًا للجمهورية .
فما دام منصب رئاسة الجمهورية من حصة الكورد وليس حكرًا على أي حزب فمن حق الحزب الديمقراطي الكوردستاني أن يقدم مرشحه لهذا المنصب بحكم الاستحقاق الانتخابي من جهة ومن الناحية الدستورية من جهة أخرى ولا ينبغي أن تأخذ بعض الأحزاب المسألة بحساسية مفرطة،وأقوى المرشحين لتولي هذا المنصب هو (هوشيار زيباري)لخبرته السياسية والدبلوماسية الطويلتان وتأريخه النضالي وتوليه لحقيبتي وزارة الخارجية لدورتين ومن ثم حقيبة المالية وهي أكثر شخصية لها علاقات متينة مع الدول الإقليمية و العربية والغربية، فهو خير من يمثل الطيف العراقي في هذا المنصب فعلى الشركاء أن يأخذوا المسألة برحابة صدر ويتخلصوا من التدخلات الإقليمية على قراراتهم التي لا تخدم العراق وإقليم كوردستان .
فالسيد ( هوشيار زيباري ) هو مرشح فخامة الرئيس (مسعود بارزاني) والسيد (مقتدى الصدر) والسيد (محمد الحلبوسي) وليس مرشح الكورد فحسب بل يمثل فسيفساء الطيف العراقي .