ان احدى المكونات الاساسية للشعب العراقي هم الكورد الذين الحقوا بدولة العراق عنوة و رغماً عن ارادتهم استجابة لمقتضيات المصالح الدولية في بدايات القرن العشرين ، و لكن الانظمة العراقية المتعاقبة لم تكتف بهذا و انما عملت بشتى السبل على صهر هذه القومية بين أتون القومية العربية و تعاملت بالحديد و النار مع حقوقهم و جعلت لغة القوة و استخدام الاسلحة أساساً في مجابهة مطاليب الشعب الكوردي ،لذا كانت الثورات و الانتفاضات الجماهيرية هي السمة الغالبة للحركة التحررية الكوردية ،و لم يرضخ يوماً لسياسات السلطة المركزية أو الاتحادية ولوعودها المتكررة لأيمان القيادة السياسية الكوردستانية بانها مجرد جرعات مؤقتة لأمتصاص حماسهم و اعادة تنظيم شؤونهم ،و بالرغم من ذلك فان للكورد و الحركة التحررية دوراً بارزاً في بناء الديمقراطية المنشودة للعراق لايمانها الراسخ بانه لا يمكن للكورد او للعرب ان ينعم بحقوقه إلا في ظل الحكم الديمقراطي و ان الانظمة العراقية (الملكية او الجمهورية) و مهما اختلفت في تسمياتها تملك نفساً دكتاتورياً بين جنباتها و تظهرها عندما تمسك بزمام الامور و لقد ناظل الكورد منذ البداية من اجل تأسيس عراق ديمقراطي تعددي يكون المواطنة اساس التعامل بعيداً عن التمييز القومي و الديني و الطائفي و العرقي و من اهم الاشارات الواضحة و الدالة على ذلك .
- ان الحركة التحررية الكوردية منذ بدايتها جعلت من بناء عراق ديمقراطي هدفاً اساسياً في نضالها منذ ثورات الشيخ عبدالسلام البارزاني و الشيخ محمود الحفيد و انتفاضات بارزان الاولى و الثانية و بعد تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني حمل الشعار نفسه و استمر في اعلانه خلال ثورة ايلول الكبرى عام 1961 ة حتى توقيع اتفاقية 11 اذار 1970 للحكم الذاتي كان من امل بناء عراق ديمقراطي .
- ان القيادة السياسية للحركة التحررية الكوردية و خاصة القائد مصطفى البارزاني كانوا على يقين بأن القضية الكوردية لا يمكن حلها عن طريق السلاح و تحت اصوات دوى المدافع و الطائرات لذا جعل من الحوار و التفاوض سبيلاً اساسياً في تعامله مع السلطات العراقية باعتباره يمثل باباً واسعاً في نشر الديمقراطية و انه لم يغلق باب الحوار في وجههم بل و احياناً كثيرة كانوا هم المبادرين الى فتح الحوار مع اعتقادهم بأن استجابة السلطات للحوار يأتي من ضعف موقفهم او لاعادة تنظيم صفوفهم او حياكة مؤامرة دولية للقضاء عليهم و لكنهم لم يتأخروا في طرق ابوابهم و ان زيارة وفد الجبهة الكوردستانية الى بغداد و بعد الانتفاضة الشعبية عام 1991 خير دليل على ذلك مع ضعف موقف حكومة بغداد في حينه .
- ان القيادة السياسية الكوردستانية بعد الانتفاضة الشعبية عام 1991 قررت و بملئ الافواه اجراء اول انتخابات حرة و نزيهة يشارك فيها كل مكونات المجتمع الكوردستاني و تلعب المرأة دورها و كان احدى المظاهر الديمقراطية الفريدة في تاريخ العراق و انتهت هذه التجربة بتأسيس برلمان كوردستان و تشكيل اول حكومة كوردستانية و ان اقرار البرلمان بتنظيم العلاقة بين الاقليم و العراق على اساس فدرالي في 4/10/1992 خطوة اخرى مهمة في بناء ديمقراطية العراق ناهيك عن الانتخابات المتعاقبة و المتكررة في الاقليم .
- المشاركة السياسية و العسكرية الفاعلة للكورد في حرب تحرير العراق عام 2003 ايماناً منهم بأنها ستكون بداية لبناء عراق ديمقراطي بمساعدة دول العالم و على رأسها امريكا بناءاً على الخطط و الاستراتيجيات المعلنة منها و المخفية و الاسباب التي دقعت الدول الى ضرورة تغير نظام الحكم في العراق لتكون بداية نشر الديمقراطية في المنطقة .
كل هذا و غيرها تشير الى ان من يمسك بالسلطة في بغداد يعامل الكورد بطريقة غير ديمقراطية و يحاول سلب الحقوق منهم لاعتقاده بان مطالبة الكورد بحقوقهم يمثل تهديداً لوجود الدولة العراقية و ان الاقصاء و الابعاد و اقرار القوانين بالاغلبية بعيداً عن التوافق و الشراكة الفعلية كلها جعل من الكورد عدم ثقتهم بالحكومات و عدم استعدادهم للقبول بكونهم ينتمون الى دولة العراق .
و هذا الوضع يفرض سؤلاً هل ان القيادة السياسية الكوردستانية تستمر في محاولات بناء ديمقراطية دولة لا تعترف بحقوقهم و تعاملهم بروح المؤامرة او تدفعها الى ضرورة اجراء استفتاء قانوني يحدد مصير الكورد في العراق وسط احداث و مواقف دولية تنبئ بقرب التغير في خارطة المنطقة .