لاتعد الكارثة مصطلحاً قانونياً، وطريقة تصنيفها يؤثر على الموضوع، لذا يرى بعض الباحثين انه من المهم في اثناء تقدير المصطلح أن يفهم أن مجرد وقوع الكارثة بحد ذاتها لا يشكل نقطة الاهتمام المادي، ولكن تلك النقطة تتمثل في مجموعة كاملة من الجوانب الداخلة في الموضوع، وهي السبب، والذي يتشكل من فيئتين، الكوارث الطبيعية والتي تعد الزلزال منها، والكوارث الناجمة من الأنشطة البشرية، والتي أجد بأن التلاعب بالبيئة او البنية الجيولوجية والتي تُعرف على انها تضاريس الأرض حيث يكون للكتل الصخرية بعض الخصائص او الجوانب التي تشكل هيكلها – البنيات- وهي ترتبط بجميع الحوادث التكوينية التي تسببها الحركات التكوينية وحركات المنشأ، فضلاً عن عامل الانبساطية، الذي يعد نتاج النشاط البركاني والحركات الزلزالية، ويتميز هذا ايضاً بتشويه الصخور، مما ينتج عنه تموجات وثنيات، لبعض المناطق كأنشاء سدود عملاقة على ارض تُعد واقعة على خط الزلزال من ضمنها، وذلك ما يحيلنا الى الجانب الاخر المتعلق بالمدة، والتي تكون في الغالب مفاجئة أو بطيئة تدريجية الظهور، مما يجعلنا أمام جانب اخر وهو السياق، حيث تقع الكوارث في صورة طوارئ واحدة أو معقدة، وهذا الامر برمته ينطوي على البحث في مكنون الكارثة، والنظر في القضايا المتعلقة بمختلف مراحلها، أي مراحل ما قبل الكارثة واثناءها وبعدها، وذلك ما أكده تقرير لجنة القانون الدولي الى الجمعية العامة عن اعمال دورتها الستين.
ولعل ما يحدث الان من هزات أرضية متتالية تضرب أماكن مختلفة وكلها مرتبطة بالبنية الجيولوجية المعقدة في منطقة الشرق الأوسط بالذات تعد تكراراً لنتائج اعمال تمس البنية الجيولوجية للمنطقة لاسيما في تركيا التي قامت بإنشاء سدود عملاقة ليس على مستوى المنطقة فحسب انما على المستوى الدولي، ويكمن مفهوم التكرار حول جدلية بناء السدود وتأثيرها على النشاط الزلزالي ما حصل في الصين سابقاً والتي وقعت تحت تأثير زلازل أودت بحياة الالاف من الأشخاص مع تدمير شامل لتلك الأماكن، وكان احد الخبراء الصينيين – وانج يانجشين – قد تساؤل وقتها لماذا تتكرر الزلازل في تلك المنطقة بالذات، وكان يقصد بها مدينة زهاوتونج التابعة لإقليم يونان، التي تم بناء سدود ضخمة مبرمجمة في تلك المنطقة الجبلية، ومن المعروف كما يشير احد الباحثين ان الخزانات الضخمة من المياه تسبب ضغطاً على القشرة الأرضية يمكنه أن يسبب الزلازل على الرغم من الارتباط بين الامرين يعصب اثباته، ومع ذلك فان التجربة الصينية اولدت الكثير من التساؤلات حول جدوى بناء السدود الضخمة، لاسيما بعد أن اكدت الدراسات بكون الآراء متفقة على أن ارتفاع منسوب المياه في المحطات المائية يمكن أن تقف وراء زيادة النشاط الحركي للقشرة الأرضية، وهذه الظاهرة مشابهة لتلك التي حدثت في تركيا خلال هذه الفترة ومازالت تحدث فيها وفي بعض الدول المجاورة ذات الامتداد الجيولوجي والارتباط بمخلفات تلك المسطحات والخزانات المائية الكبيرة، وذلك ما ذهب اليه علاء اللامي في دراسة له بعنوان "الجديد في العلاقة بين الزلازل واحتمالات انهيار السدود التركية"، حيث أكد من خلال مناقشة اراء بعض الخبراء الذين ذهبوا الى أن كمية الخزين المائي الضخم لتلك السدود والذي بلغ اكثر من 651 مليار متر مكعب اثرت على القشرة الأرضية وحتى على الأرض بالكامل، مشيراً الى أنه إذا زادت المياه فهذا يؤدي الى تمددها وزيادة كمية الماء الذي تخزنه، وايضاً تؤدي الى عملية تمدد أو توسع للكسور الموجودة في الاحواض الجوفية، وهذا يؤدي الى خلخلة أو تكسير لهذه الفوالق الزلزالية، مؤكداً بأن هذا ما حدث بالفعل.
تواجه عمليات بناء السدود الضخمة في تركيا تحديات كثيرة منها ما يتعلق بالتغيير الجيولوجي للقشرة الأرضية، وأخرى تتعلق بحجم المياه المخزونة التي وبحسب العديد من الآراء إن انهارت تلك السدود ستسبب بكوارث قد تصل حتى الى مناطق الخليج في اقصى جنوب العراق، ومنها تحديات تتعلق بالمسائل البيئية والقانونية، وهي اجمالاً لم تزل مثار نقاشات وطروحات لا تتفق على نهج واحد، ولكنها كلها في المضمون تتفق على نقطة واحدة، أن تلك السدود لها علاقة وإن اختلف حجمها بالزلازل التي ضربت تركيا وباقي المناطق الواقعة على خط ذلك الزلزال أو ما يسمى بحركة الصدع الاناضولي الشرقي، وتؤكد الأحداث العامة ببعض النشاطات الزلزالية أن الصلة موجودة بين بناء السدود وحدوث الزلازل، ولكنها تؤكد في الوقت نفسه أن حجم تلك الزلازل لاتصل الى درجة 6 في اغلب الحالات، وتبقى تتراوح بين 3- 5 درجة على مقياس ريختر، ولكن ذلك الامر ايضاً كان نسبياً بالنسبة للبعض، لأنه في عام 1963 ضرب زلزال ولاية ماهراشاترا في الهند وذلك بعد ارتفاع مناسيب المياه في البحيرة خلف سد كوينا، وكان قوة الزلزال 6.5 درجة، ولدينا في اسوان المصرية عام 1981حيث وقع زلزال بقوة 5.6، بعد انشاء السد العالي، وامتلاء بحيرة ناصر بالمياه، وفي فوكوشيما عام 2011، انهار سد فوجينومو في مدينة سوكاغاوا بعد وقت قليل يقارب العشرين دقيقة من زلزال توهوكو ، وهناك العديد من الأمثلة تؤيد نظرية تأثير السدود الضخمة على القشرة الأرضية وبالتالي تسبب في تصدعات في البنية الجيولوجية للأرض، وذلك من خلال تكسير الفوالق الزلزالية، وأثر ذلك على النقطة التكتونية وحركة الصفائح.
وعلى الرغم من أن تلك الزلازل تعد من الكوارث الطبيعية، إلا أن علاقتها الوثيقة بالحاق الاضرار بالبيئة من خلال بناء تلك السدود الضخمة وبذلك الحجم الهائل من كميات المياه المخزونة، تجعلنا ننظر الى الامر على أنه تهديد مباشر شأنه شأن المخاطر التكنولوجية وتطورها، وفي ذلك يقول مداح عبد اللطيف في دراسة اكاديمية له بعنوان مسؤولية الدولة عن الاضرار البيئية: " لقد عد التدهور البيئي أثر حتمي للتطور التكنولوجي، وهو ضريبة فرضت على العالم بأكمله دفعها مقابل التقدم الصناعي، هذا ولم تدرك البشرية الاثار السلبية للتدهور البيئي إلا في النصف الأخير من القرن العشرين بسبب الكوارث البيئية التي هزت العالم، الشيء الذي جعل الاهتمام بالقضايا البيئية يتصاعد بشكل كبير "، وذلك ما يحيلنا الى البحث عن المنافذ القانونية التي تجعل من الاعمال محضورة إذا ما توفرت بعض القرائن بإنشائها، وهي بلاشك تقع مسؤوليتها على المجتمع الدولي، لاسيما فيما يتعلق بنظرية الخطأ كأساس لإقرار المسؤولية الدولية عن المساس بالبيئة ومن هذه النظرية تناسلت نظرية التعسف في استعمال الحق كأساس للمسؤولية الدولية عن الضرر بالبيئي، والأخيرة يقصد بها أن يستعمل الشخص الدولي حقه المشروع بطريقة لا يجلب منافع بقدر الاضرار التي تجذبها للغير، ولحجم الاضرار المترتبة حول استخدام ذلك الحق الحقت قوانينها بالقوانين الدولية، وذلك ما يؤكده الباحث بوغانم يوسف في رسالته الماجستير، بعنوان "المسائلة عن جرائهم البيئة في القانون الدولي" حيث يقول:" ويعتبر مبدأ التعسف في استعمال الحق مبدأ مؤسساً على العرف الدولي والقانون الطبيعي، وقد نقل هذا المبدأ من القوانين الوطنية الى القوانين الدولية لأنه لا يوفر الحماية للدول في علاقتها بغيرها.."، وعند النظر الى الواقع سنجد بأن القانون الدولي لم يزل في طور المسائلة حول تغاضيه عن ما يترتب على استخدام تركيا لحقها في المجال البيئي من جهة، وبناء السدود التي لا تلحق الضرر بالبنية الجيولوجية للمنطقة فحسب، انما تلحق اضراراً جسيمة بغالبية الدول التي تتأثر بحجم تلك الخزانات المائية الضخمة، والتي كما سبق وأن نوهنا تهدد استقرار غالبية الدول التي تقع جنوب شرق وغرب تركيا، مما قد يتسبب انهيار تلك الخزانات الضخمة في تدمير شامل لتلك الدول، ناهيك عن مساهمتها في النشاط الزلزالي الذي تحول خلال فترة وجيزة الى هاجس موت جديد يضاف الى ما هو موجود اصلاً للمنطقة.