كثير منا من يوجه بنظره الى الأموال عند ذكر كلمة الثروة لأنها الأكثر شيوعًا واستخدامًا خاصةً في السنوات الاخيرة، حيث يرجعون أسباب جميع الحروب والصراعات والدخول في التحالفات العسكرية والسياسية والاقتصادية الى ان دوافع أقتصادية تقف وراءها، الاقتصاد بات المشترك الأكبر بين الدول والرابط الأقوى بين الشعوب، وان الدولة التي تمتلك اقتصادًا قويًا وبنية تحتية متكاملة تكون أكثر فعاليةً وتاثيراً وصوتها مسموعًا وحضورها ضروريًا في المحافل الدولية والاقليمية وحتى المحلية، لان الاقتصاد هو المحرك الاساسي للعملية السياسية الداخلية والخارجية لاي بلدٍ.
هذه وجهة نظر الكثيرين من الافراد والحكومات ونحن نعتقد ذلك إلى حدٍ ما، ولكن برأينا المتواضع وبرأي من يقف في صفنا ويفكر بطريقة قريبة منا، ان الثروة الحقيقية لاية دولة وكيان سياسي هم الشعب وأعني به الشعب المخلص الصالح المصلح المتمسك بمبادئهم وقيمهم والمحب لأرضه ومياهه ومقدساته والمستعد للعمل من اجل ان يبقى اسم وطنه وشعبه عاليًا ويقدم ما بوسعه وكلٌ في مجال عمله ويساهم في بناءه دون الالتفات إلى زلات الآخرين وأعمالهم المتدنية الفاسدة.
بطون كتب التاريخ مليئة بالأمثلة وذكر دور أفراد المجتمع في بناء وطنهم وكيف ساهموا في اداء رسالتهم خاصةً بعد تعرض أوطانهم الى الحروب والتدمير والخراب وعملوا كالنمل ليلًا ونهاراً وكالنحل بانتظام واستمرار وتمكنوا في فترة قصيرة من إعادة وطنهم إلى سابق عهده بل قطعوا أشواطًا طويلة وأصبحوا في المقدمة.
ومن هذه الشعوب على سبيل المثال لا الحصر الشعب الألماني الذي خرج من أتون الحرب العالمية الثانية مهزومًا ببلد مدمر وظروف معيشية صعبة ولكنه قرر ان لا يستسلم وان يجتهد وحتى نساءهم كن يعملن لساعات طويلة في اليوم والرجال أكثر حتى حققوا الحلم الذي كانوا يريدونه وباتت المانيا نجمًا كبيرًا اليوم لها حضور مؤثر في المواقف والأحداث، كذلك الشعب الياباني الذي أستيقظ من تحت ركام القصف الاميركي لمدينتي ناكازاكى وهيروشيما مهزومًا منكسراً وبلداً خرابًا ولكنه قرر ان لا يركع للهزيمة بل جعله دافعًا وأساسًا للانطلاق نحو تحقيق الاهداف الاستراتيجية وضرورة بناء دولة قوية وكان واثقًا من نفسه وخطط ونفذ وتابع واستفاد من تجارب ناجحة حتى باتت دولتهم اليوم في المقدمة ولها رؤيتها الخاصة ونظريتها في الإدارة والاقتصاد والسياسة وأكثر دولًا في التطور العلمي والتقني، وبدأ بتصدير نظرياتها ومشاريعها الى الخارج وأصبح مثالًا يضرب به في النجاح والتفوق والتمييز.
من جانب اخر، فإن بناء سور الصين الطويل الذي أستغرق وقتًا ومصاريف لم تنقذها من هجمات الأعداء عليها لأكثر من مرة عن طريق الابواب وليس تجاوزًا للسور، لأنها لم تولي بناء الإنسان اهمية كبيرة بل اكتفت بالتحصين المادي المتمثل بالجدار القوي الطويل ولكنها أفاقت وعلمت ان المواطن المخلص والشعب الوفي هما الثروة الحقيقية التي يجب الإعتماد عليهما في البناء والدفاع والتقدم والازدهار والتنمية.
ولنا أيضًا امثلة في انظمة الدول العربية عندما بدأ الربيع العربي عام 2011 كيف بدأت تنهار امام حشود الجماهير المتظاهرة عندما فقدت الثقة بينهما.
من هنا يتبين ان الشعب المخلص المحب لوطنه هو الثروة الأساسية التي يمكن الإعتماد عليها لانه سيحقق ما يصبوا اليه من اقتصاد متين وتفوق في كل المجالات.
الحكومات التي تستطيع ان تنال ثقة شعوبهم وتمتلك برامج خاصة من اجل توعيتهم على حب الوطن والأرض والانسان والقيم العليا والتعايش مع الآخرين وقبول الاختلاف في الرأي وتوجيههم الى المسار الصحيح لتحقيق أهدافهم الوطنية، تكون قادرة على الاستمرار والبقاء، لأن هؤلاء الأفراد يكونوا مستعدين للدفاع عن حكوماتهم والتضحية من أجلها لأنها عملت ما بوسعها في سبيل خدمتهم وتحسين مستوى المعيشة وتمتلك خططًا مستقبلية للتنمية والازدهار والتطور.
ان الحكومات التي تفقد جماهيرها بالابتعاد عنهم وزيادة الهوة بينهم، فإن تلك الجماهير تتصور خططها وبرامجها لا تخرج من إطار ضيق ولا تصب في الصالح العام، بل يتصور ان الحكومة باتت عالةً على رقاب الناس جميع قراراتها هي لمصلحة فئة معينة وتكون عرضةً للانهيار والسقوط في اقرب فرصة.
يجب ان تعلم الحكومات جميعًا ان أساسها القوي تكمن في ثقة شعوبها بها ومن يملك شعبًا مخلصًا و وفيًا ومصلحًا يستطيع ان يسجل المستحيل وانهم من يحققون الثروة وفي المقابل الحكومة التي لا تملك مثل هذا الشعب ويكون فاسدًا ومتطفلاً متملقاً مهزوزاً في مواقفه ومنكسراً في أدائه ويعتمد على مجموعة من النفعيين الأنانيين فإنها ستفقد ما لديها من الثروات لإنها فقدت الثروة الحقيقية.
الحياة مدرسة ولكنها لا تعطي الدروس مجانًا والعاقل من يعتبر ..