الوفد الكوردستاني الذي شارك في مؤتمر ميونخ، برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، أراد طمأنة الحاضرين وإبلاغ المسؤولين من أن قوة الكورد لاتهدد أحداً وتعزز دعائم الديمقراطية في منطقة مليئة بالفوضى والتناقضات، وأن شعب كوردستان يروم خيراً للجميع وله نيات صافية، وغايات نبيلة، ومخططات كثيرة ونافعة، وسوف يستمر في المحافظة على حماية الإستقرار والتعايش السلمي المشترك وسيسعى لتوطيد روح التسامح في الإقليم، لذلك إتسمت لقاءاته ومناقشاته مع عدد من الوفود المشاركة في المؤتمر بالصراحة والشفافية اللتين ستنعكسان إيجاباً على العلاقات المستقبلية بين أربيل وبغداد، من جهة، وبين أربيل وبقية العواصم من جهة أخرى.
قبل أسابيع كنا نسمع تغريدات بصوت البوم الجارح الذي لا يتوانى في الحديث عن سواد الأيام المقبلة والتلويح بالتصعيد والوعيد وبإستخدام القوة والقتال ضد الكورد ومواجهة مطالبهم المشروعة حتى لو تطلب الأمر التضحية بأموال وثروات ومساحات من الأراضي العراقية لصالح الدول المجاورة، أو حتى بفتنة قذرة تحرق الأخضر مع اليابس. تلكالمواقف المعادية التي كانت تشوبها التخبط وعدم التخطيط، كشفت الكراهية المقيتة والنعرات الطائفية والقومية الدفينة بدواخل الكثيرين تجاه الكورد، وخدشت شعورنا مرات كثيرة، سواء بتأليف سيناريوهات ملفقة، أو بتبنى سياسة التصعيد والتهديد واستعمال القوة بحجة تطبيق الدستور، أو بإدعاءات باطلة تحاول جر شعبنا الى صراعات نحن في غنى عنها، كما فضحت عقلهم الباطن الجامع للفكر والقناعات المتعلقة بتكوينهم الثقافي والفكري والسياسي وبسلوكهم المتوارث. وفي المقابل أكدت للكوردستانيين ضرورة مواجهة التحديات والصعوبات بجرأة وحزم إسوة بجميع الشعوب الحية، والتمسك الدائم بالنهج الديمقراطي السلمي، وطرق الأبواب المغلقة بهدوء، والتحدث مع المؤيدين والمعارضين بلغة دبلوماسية متزنة ومقنعة، والتأكيد على المنافع المتبادلة والتسامح والتعايش.
بعثت أربيل بأکثر من رسالة من خلال مشاركتها الفاعلة في مؤتمر ميونخ لهذا العام، المختلف كلياً عن الأعوام السابقة، أولها: إثبات جدارتها في الحفاظ على مكانتها العالية على المستوى الدولي بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، التي تحققت بفضل حكمة وشجاعة الرئيس مسعود بارزاني، في محاربة التطرف والإرهاب نيابة عن العالم، والإنتصار على داعش. وثانيها: نجاح سياسة حكومة الإقليم برئاسة نجيرفان بارزاني في إحتضان ما يقارب مليوني نازح ولاجىء من كافة مناطق العراق، رغم قطع الموازنة السنوية ورواتب العمال والموظفين، وهبوط أسعار النفط بشكل كبير، ولجوء بغداد الى سياسة لي الأذرع من خلال التواصل مع بعض الجهات الكوردية لخلق المشكلات لحكومة الإقليم وإضعاف موقعها القانوني والدستوري، وسحب الثقة منها. وثالثها: القدرة على نقل ملف الحصار المفروض عليها من قبل بغداد، وكذلك الخلافات العالقة معها، من شأن محلي الى شأن دولي، والتحدث عنها بصوت عال وصريح في المحافل الدولية، مستندة في ذلك على قوة المنطق والديمقراطية، والمكانة المهمة للإقليم في المنطقة. ورابعها: تذكير العالم بأن الكورد في سنوات الحرب ضد داعش ضحوا كثيراً وكانوا الفرسان الوحيدين القادرين على الوقوف بوجه داعش ودحره، وكانت شعوب الدول الخيرة تثق بها وتؤيدها وتمدها بالسلاح والعتاد والمعلومات الإستخباراتية، ولكن بعد الحرب، مباشرةً، أصبحوا ضحايا لسياسة الإستعلاء في بلد يعاني مشكلات جسيمة وصراعات سياسية وأمنية واسعة النطاق، وترتهن سياساتها لتدخلات من قبل أطراف خارجية شتى. وخامسها : التعبير عن الإستعداد الدائم للتعامل بذكاء شديد مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وبالذات في محاربة الإرهاب ومساندة القوى التي تحاربها...
أما الوفود التي إلتقت بها وفد الإقليم فقد جددت إحترامها للكيان الكوردستاني، ومساندة الإقليم وقوات البيشمركه، وأكدت على ضرورة إقامة أفضل العلاقات الإقتصادية والدبلوماسية مع حكومة الإقليم ، ومساندة الحوار بين أربيل وبغداد، ودعت بشكل واضح وصريح الى ذلك وعبرت عن رغبتها في المساهمة في إيجاد الحلول الواقعية المقبولة لدى الجانبين، وفك الحصار الإقتصادي والدبلوماسي المفروض على شعب كوردستان، من قبل حكومة إختلط عندها الصيح مع الخطأ ، وتوعد ولاتنفذ، وتلعب بالمشاعر لكسب الوقت والأصوات الإنتخابية.