إن من أهم الأمور التي يسعى إليها الإنسان في حياته أن يبيت آمنا في مسكنه معافى في جسده وعقله فإن حصل له ذلك فكأنما ملك الدنيا، فالأمن الشخصي والمعافاة في الجسد والنوم والاستقرار في الدار آمنا وما يتمتع به الإنسان من حياة خاصة تعد كلها قوام الحرية الفردية التي تعد أساس كل الحريات التي يتمتع بها الإنسان والتي صارت تشغل مكانا مهما في الفكر القانوني في مختلف النظم السياسية ذات المذاهب والفلسفات المتباينة ولأن الحرية الفردية اساس كل الحريات فأن أهميتها تبدو عظيمة فبقدر تمتع الفرد بها يكون تفجير طاقاته وطموحاته في سبيل عمارة الأرض التي نعيش بها.
فالحرية من زاوية الإنسان إنما هي تحقيق لذاته من خلال ما يحققه من نشاط تلقائي ذاتي يتطور حتى يكتسي بطابع إنساني يضفي على الحرية الفردية قيمة جديرة بالاحترام والتقدير ويجعلها بعيدة عن التهجم واللوم خاصة وأن النشاط الذاتي التلقائي للفرد يسعى الى هدف اجتماعي يقتضي تصورا معينا للصالح المشترك بين الأفراد في المجتمع بما ينطوي عليه من العدالة والسكينة والتقدم.
العدالة التي تتحقق إذا كان الفعل الفردي عادلا غير مخل بقواعد السلوك التي يسعى كل فرد عاقل إلى إتباعها متفقا مع صالح المجموع.
والسكينة أساسها اعتراف متبادل بوجود الآخرين في نطاق المجتمع مهما تعددت وتنوعت الروابط بين الأفراد وما يجب تعيينه من حدود لكل فرد بما له وما عليه.
والتقدم قيمة اجتماعية تسير بالمجتمع إلى الإمام نحو حضارة إنسانية متقدمة تسعى سعياً حثيثاً إلى السيطرة على القوى الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالإنسان وتذليل الصعوبات المادية والتي تقف في وجه ذلك التقدم نحو حياة تكون دائما أفضل فإذا كانت تلك صورة الحرية المشرقة فأنها ليست كذلك دائما لأن سنة الحياة أن يعيش المجتمع في حركة دائمة وانية ومتصلة لا تفتر وهو في حركته يتطلع إلى مستوى أفضل ونظام أكمل وفي سعيه الى غاياته وأهدافه يصطدم بحرية الأفراد التي قد تحد من سيره وتثقل من خطاه لذلك كان الفرد محور التنظيم القانوني ومن هنا شغل موضوع الحريات المتعلقة بالأفراد مكانا مهما في الفكر القانوني لدى مختلف النظم السياسية ذات المذاهب والفلسفات المختلفة.
ففي العالم الغربي كان ثمرة الكفاح الطويل الذي قامت به الشعوب والثورات التي أشعلتها ضد الحكام المستبدين أن تقررت الحريات الفردية حيث انتزع الأفراد حريّتهم وأكدوا حقهم في حياة آمنة متحررة من الخوف والاستبداد والطغيان وكان من نتيجة ذلك عمدت الشعوب والحكومات إلى تضمين هذه الحريات في دساتيرها كفالة لها وضمانا لممارستها.
ثم ظهر في النطاق الدولي الاهتمام بالحريات وحقوق الإنسان فنتج عن ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تبعه من اتفاقيات دولية وإقليمية وقبل هذا وذاك كانت الشريعة الإسلامية قد تضمنت ذخيرة كبرى من مبادئ الحريات وحقوق الأفراد قبل أن تظهر هذه الفلسفات بقرون عدة.
ويكتسب موضوع (الحماية الجنائية للحريات الفردية) أهميته الخاصة لاتصاله بأهم شيء في حياة الناس وهو يمس حريتهم الفردية بما فيها من حقوق لصيقة بشخص الإنسان لا تنفك عنه فحريته في أمنه الشخصي وحريته في التنقل وحريته في مسكنه وحرمة هذا المسكن وحقه في سلامته البدنية والذهنية وحرمة حياته الخاصة كلها حقوق لصيقة بالإنسان لا يجوز التعرض لها بأي شكل من الأشكال وهذا لا يعني أن للأفراد حريات تفوق ما للمجتمع وأعلى منها، وإنما يعني أن للقرد حريته الفردية وذلك في حدود الشرع والقانون ذلك أن تشابك العلاقات بين الأفراد في حياتهم مجتمعين تجعل الفرد ملتزما بتنظيم حياته وحريته مع حرية وحركات الآخرين فيترك الفرد في نطاق معين لشأنه يمارس حريته على وفق رغبته إلا اه ملزم بالمشاركة في الحياة العامة وهذا أمر شائك يثير مشكلات كثيرة أهمها ما تثيره الحماية الجنائية وهي تضع مداها ونطاقها وقدرتها على تمكين الأفراد من التمتع بحرياتهم الفردية دون تعرض الآخرين لهم.
فالسلطة إذ تضع الحماية لممارسة الأفراد حرياتهم فتمنع الآخرين الاعتداء عليهم وتفرض العقوبة على هذا الاعتداء فأنها من جانب آخر تضع أكثر القيود مساسا بالحريات الفردية وذلك بما تتخذه السلطة من إجراءات جنائية وبما يمارسه ممثلو السلطة من تطبيق للقانون فيتعرضون بذلك لحريات الأفراد وهنا تثور المشكلة وهي مدى تحقق الحماية الجنائية لحريات الأفراد إزاء تعرض السلطة لهم ممثلة بأفرادها وإيجاد التوازن بين حق الدولة في ممارسة وظائفها وحماية المجتمع بين تحقيق الحماية للحريات الفردية وهي بصدد ممارسة وظائفها.
وإذا كانت الحرية الفردية هي محل الحماية الجنائية فأن الغاية التي يتوخّاها هذا المقال هو معرفة مدى الحماية التي يوفرّها القانون الجنائية للحريات الفردية عند تعرّض السلطة لها ممثلة بأفرادها.