الايام القليلة الماضية شهدت عملية اجرامية استهدفت امرأة معروفة في مواقع التواصل تدعى الفاشينيستا او البلوكر ام فهد وهي ليست الجريمة الأولى من نوعها التي تقع في بغداد لكنها كشفت لنا عن الجريمة منظمة بطريقة احترافية على غرار ماموجود في العالم.
الجريمة وقعت في حي راق بالعاصمة وكان اختيار الزمان والمكان دقيقا وسط رصد عشرات الكاميرات وتمت بسهولة والقاتل جمع فوارغ الاطلاقات على راحته، لسببين الأول حتى لايعرف نوع السلاح وهي مرخص وربما رسمي والثاني حتى لاتعرف بصمات المنفذ على فوارغ الاطلاقات، مايكشف ان العملية منظمة ولم يترك المنفذ ورائه دليلا واحدا ولذا حتما ستقيد ضد مجهول.
الضحية ارتبطت بخلاف مع أخرين ومن بينهم زميلة لها وهددتها وقتها بكشف علاقتها مع شخصية أمنية كبيرة وهو امر لاينبغي ان يكون سببا لاتهام تلك الشخصية او غيرها من دون دليل.
ماتقدمه الضحية من محتوى ربما هابط وقد لايرضي الجميع وربما يسيء احيانا لقيم المجتمع اقول ربما يكون كذلك لكنه لايشكل مطلقا سببا لقتلها بهذة الطريقة البشعة.
فالمحتوى الهابط للأسف صار سائدا ليس في العراق وحسب وإنما في العالم وان كان في بلدنا أضحى غولا بفعل ضعف القانون وآليات تنفيذه في هذا الجانب أضف لذلك علاقات السياسيين بمن يعمل فيه وخاصة العنصر النسوي!.
الفيلسوف الكندي المعاصر آلان دونو في كتابه “نظام التفاهة” أو النظام الاجتماعي الذي تسيطر فيه طبقة الأشخاص التافهين على معظم مناحي الحياة، وبموجب ذلك يتم مكافأة الرداءة والوضاعة والتفاهة بدلاً عن الجدية والمثابرة والجودة في العمل.
التفاهة سيطرت على العالم عموما والعراق على وجه خاص حتى أصبح الحديث عن الثقافة ضربا من العبث العقلي في العصر الراهن فالإنسان العراقي لا رغبة له في التأمل والتفكير ولا وقت له لذلك فلقد حاصره التافهون من كل حدب وصوب بالمشاهد وحاصروه بالصور والفديوهات حتى أصبحت الصورة والفيديو هي الوسيلة الوحيدة للتفكير وأصبحت الكتابة غريبة في العصر الراهن وغدت الكلمات مشردة تبحث لها عن مأوي بين الأنامل فلا تجد، فقد احتلت الصورة والفيديو كل المواقع.
عالم التفاهة هذا،يضمن لمن يدخله من أي جانب يشاء، تحقيق النجاح كما يضمن بشكل رئيسي الحصول على المال، المعيار الأساسي لذلك النجاح.
فالدخول لعالم التفاهة، يعني دخولك مصانع التفاهة المتنوعة.
والاختيار يبقى لك أي مصنع شئت، لتنتج تفاهة تتناسب ورغباتك وإمكانياتك وقدراتك حتى صار صاحب جاموسة او مطيرجي او امرأة سمينه سليطة اللسان تتكلم بالفاظ نابية او عاهرة تكشف مامستور بوقاحة او أخرى تجبرنا على متابعة حياتها مع بناتها الأطفال وزوجها وهي ذات تاريخ يسترنا الله منه او تلك التي دخلت بشجار مع اعلامي وتهدده او ذلك الكذاب اوتلك الفتاة من محافظة مقدسة وجلهم من الفاشلين دراسيا ومن العاطلين وغيرهم وغيرهم .
قيمة النجاح بات الآن في عالم التواصل الاجتماعي، يعني المال والمال فقط، أي لتكون ناجحاً في مجتمعك، فليس لك سبيل سوى كسب المال وبوفرة ملحوظة، بغض النظر عن طرق ووسائل الكسب.
ما الذي دفع بمن يُطلق عليهم مشاهير التواصل الاجتماعي أو ” الفاشينستات” ذكوراً وإناثا، لتأكيد هذا المعنى، وإن كان بشكل ضمني غير مباشر؟،الجواب طبعا لقد وجدوا أن من أسهل طرق كسب المال هي صناعة التفاهة، التي قادتهم إلى البروز والشهرة الأضواء حتى ان صاحب جاموسة او طباخ الباجة او مطيرجي او فتاة ليل لدرجة السقوط او كذاب باتوا مشاهيرا وجحافل من المتابعين الإمّعات تتابعهم وتقلدهم والأغرب ان العشائر صارت تحميهم باعلانات مدفوعة الثمن من قبل تلك التافهة التي تحضر كم رجل بعقال العشيرة مقابل كم الف دينار لحمايتها من دون أن يسالوها ان كانوا من عشيرتها فعلا عن أفعالها المشينة! .
التحرر من سيطرة التفاهة و التافهين مسؤولية الجميع إذا ما أردنا انقاذنا منها، فالمسؤولية عن انقاذ الذات هي في النهاية مسؤولية عن انقاذ الكل فعندما نقول إن الإنسان مسؤول
عن نفسه لا نعني أن الإنسان مسؤول عن وجوده الفردي فحسب بل هو بالحقيقة مسؤول عن جميع الناس.
فالتخلص من التافهين ليس بقتلهم او تصفيتهم جسديا بل بمحاصرتهم قانونيا وردعهم بالعقوبات ،حتى لتجدنا مجبرين على مشاهدة تلك الراقصة او المرأة السمينة بلسانها الوقح وبمنظرها المقزز او ذلك الكذاب او تلك لاتنفك عن التهديد بعشيرتها او بعلاقاتها مع المسؤولين وتنسى او تتناسى انها تنشر القيم السيئة والبذائات من أجل كسب السحت الحرام، فلنحمي مجتمعنا بالقانون وبالحفاظ على تقاليده وبزرع المعاني الدينية السامية والاقتداء بشخصياته الإسلامية الراقية .