لقد كان سحب المرسوم الجمهوري 147 لعام 2013 الخاص بغبطة الكاردينال لويس ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية، والتوضيح الذي صدر من قبل رئاسة الجمهورية بعد أيام من صدور مرسوم السحب بمثابة الفعل غير المبرر والعذر الأقبح منه.
أما تضارب البيانات بين رئاسة الجمهورية وسفارة الفاتيكان لدى بغداد بشأن ما تم تداوله في اللقاء بين الرئيس العراقي والقائم بأعمال سفارة الفاتيكان، والإدعاء بأن (سفارة الفاتيكان لم تكن لديها أية ملاحظات على إجراءات رئاسة الجمهورية بشأن سحب المرسوم الجمهوري الخاص بالكاردينال لويس ساكو)، وتكذيب السفارة لما ورد في بيان رئاسة الجمهورية، فقد زاد الطين بلة.
وأما الإستهداف الواضح لغبطة الكاردينال ساكو من قبل رئاسة جمهورية العراق تحقيقاً لرغبة ميليشياوية وتعرضه لضغوط مستمرة بدوافع سياسية ومهاجمته من قبل بعض القنوات الإعلامية والمنصات الإلكترونية القريبة الميليشيات عبر تقارير مضللة، فقد دفع الكثير من مراجع المسلمين والمسيحيين إلى إعلان حالة التضامن معه، وإعتبار ما حدث تجاوزاً مجحفاً ومبيتاً على شخصه وعلى جلباب الكنيسة الذي يرتديه ومكانة المسيحيين وإهانة لهذا الرمز الديني في سبيل احتكار الساحة السياسية المسيحية بقوّة السلاح، ووسيلة جديدة لإبعاد المسيحيين عن العراق، إبعاد بدأ عام 2003 عندما ساهم الاداء الحكومي السيء في إفساد القيم وإشاعة الفوضى والفساد، وتعطيل لغة الكلام ومنطق العقل وغياب سلطة القانون وإنفلات الأمن وإستشراء دور المليشيات جعل إستهداف المسيحيين المسالمين الآمنين واجباً مقدساً، وهدفاً مباشراً لأعمال الإبتزاز والتطهير والإبادة والاستئصال.
في العهد الديمقراطي شهد المسيحيون أوضاعاً مأساوية وإضطهادات عنيفة ومتتالية على أيدي جماعات مسلحة مجهولة ومعلومة الهوية، وتعرضوا في بغداد والموصل ومدن الوسط والجنوب الى حملات إستهداف شرسة وخبيثة، تجسدت في أعمال القتل والتهجير وحرق وتفجير كنائسهم وإغتيال طلابهم ورموزهم الدينية والفكرية. والاستيلاء على دورهم وأراضيهم من خلال التهديد والوعيد أو بالتنسيق مع بعض الموظفين في دوائر التسجيل العقاري وباستخدام وثائق مزورة. وبعد سيطرة الدواعش على مدينة الموصل، في 2014، الذي يعتبر أسوأ عام بالنسبة للمسيحيين، فقد تم تخييرهم بين: إعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، أو الخروج من مدينتهم ومنازلهم بملابسهم من دون أية أمتعة. فإختاروا ترك منازلهم والتوجه نحو أربيل ودهوك، وفي نقاط التفتيش التابعة لداعش، كانوا يتعرضون الى السلب، ونهب مقتنايتهم من الأموال والذهب وحتى أجهزة الهاتف، كما سحب منهم جوازات السفر والبطاقات الشخصية وتم الإستيلاء على سياراتهم الخاصة. وفي مدينة الموصل وضواحيها تم تدمير كنائسهم وكذلك الأديرة، وباتت كنائسهم ومنازلهم، إما خاوية أو مغلقة أو مدمرة، وما نهب منها من وثائق ومقتنيات وموجودات لا تقدر بثمن.
في المقابل قامت حكومة إقليم كوردستان والتي تفتخر بحماية التنوع الديني والقومي في كوردستان، بتكثيف جهودها وإمكانياتها لمساعدة هؤلاء القادمين الى الإقليم. وأكد الرئيس مسعود بارزاني، أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، إنهم ليسوا ضيوفأ أو نازحين، إنهم أصحاب الأرض، وقال لهم : (إما أن نعيش معاً بشموخ على هذه الأرض أو نموت معاً).. وفي يوم23/7/2023 كرر الرئيس بارزاني موقفه السابق حينما إستقبل الكاردينال ساكو الذي قرر مغادرة بغداد والتوجه الى اربيل، وأعرب عن قلقه من قرار الرئيس العراقي، سحب المرسوم الجمهوري الخاص بالكنيسة الكلدانية في بغداد، وتمنى أن تتم مراجعة القرار وتصحيحه.
وأخيراً، يمكن القول أن الذي كتب حتى الآن من قبل الكتاب المسلمين والمسيحيين بشأن بشاعة الجرائم الشريرة المرتكبة ضدهم في عهد الديمقراطية العراقية، غيض من فيض، أو مجرد ذر للرماد في العيون، مقارنة بحجم الكوارث التي تعرضوا لها والدوافع الحقيقية لإرتكابها وبالدم الطاهر الذي سال من أجساد الضحايا.