أدرك الأمريكيون أن التعليم مفتاح الحرية، واعتبروا انتشاره ضماناً أساسياً للحرية والمساواة والحكم الذاتي والتفوّق، وهي المبادئ التي اكتسبها الشعب الأمريكي خلال الحروب والصراعات التي خاضها من أجل الاستقلال، لذا فقد أَوْلَى الأمريكيون جلّ اهتمامهم لتطوير التعليم بشكل مستمرّ، إيماناً منهم بقدرة التعليم الجيد على تحديد التفوّق في جميع المجالات، ومن ثم تسيّد وتصيّد العالم، وقيادته سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وحتى تربوياً، وقد تحقق لهم ذلك.

 

لم تفكر في الانتقام، ولكنها آثرت البناء. انغماسها بالتفكير في المستقبل شغلها عن التفكير في الماضي، إنها اليابان، والتي أصبحت القوة المسيطرة في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، مما دفع بعجلتها الاقتصادية إلى الأمام بسرعة فائقة، وتحوّلت إلى إمبراطورية عظمى، ولعلّ النقلة النوعية التي أحدثها الشعب الياباني في التاريخ المعاصر، تعتبر نموذجاً يُحتذى به من قبل شعوب العالم، كله بفضل التعليم والتربية.

 

شهد العام 1960 بداية انفتاح المجتمع الصيني على حضارة الغرب، مما جعل قادة النظام التعليمي ينادون بضرورة التغيير في كل جوانب التعليم، ومنها إصلاح اللغة الصينية، فخلال الثورة الثقافية عام 1960 اعتمدت سياسة تعليمية شاملة للنهوض في التعليم، وكان من أهمها تشجيع العمال والفلاحين والجنود على الارتباط في المدارس، إذ توجد في الصين حالياً أكثر من 3000 جامعة، منها 1300 جامعة حكومية، فيما بلغ عدد الجامعات التي تستقبل الطلبة الأجانب 70 جامعة، وقد وصل عدد الطلبة في الجامعات الصينية إلى حوالي 24 مليون طالب، ليحتلّ حجم التعليم العالي في الصين المركز العالمي الأول.

 

أمريكا، واليابان، والصين نماذج في التطوير والحداثة من خلال التعليم، ولا زالوا سادة العالم إلى جانب دول عديدة لا تقلها أهمية في ذلك، أما الشعب الكوردي لا زال التعليم لديه مقتصراً على مبادئ أنظمة المنهج الإيديولوجي الشمولي، إضافة إلى إدارة العملية التعليمية من خلال إيديولوجية كل حزب سياسي، فأغلب المشكلات والأزمات التي تواجه المجتمع الكوردي وحكوماته ومؤسّساته وتنظيماته تعود بشكل أساسي إلى نظام التربية والتعليم، وطريقة إدارة هذا الموضوع المهم، فالمعلّم الكوردي، وفي المدارس التي يدرّس فيها لا يزال الإنسان الأرخص والأقل قيمة، فهو يعاني الإهمال والتهميش، وفي المناسبات والخطابات بشكلها النظري هو أنبل بني البشر!

 

ليبقى التعليم والارتقاء به وسبل تطويره هو الأساس والشغل الشاغل والأولوية الدائمة على طاولة الساعين إلى تطوير أوطانهم وتنوير عقول شعوبهم، جماعات وأفراد، حكومات ومؤسّسات، كما إن الإيمان بأن التعليم هو القاطرة التي تقود كافة عَرَبات التنمية، سواء الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية والاجتماعية، هو إنجاز كبير في حدّ ذاته، لأن تلك الرؤية الواضحة لها ما بعدها في الاهتمام به ورصد الميزانيات لترقيته والبحث الدائم عن سبل تطويره بكافة مكوناته وحلقاته، سواء مَن يتلقى أو مَن يلقى، والمحتوى وسبل توصيل المعلومة والهدف منها وكيفية الاستفادة من مخرجاته، فتحديد الطريق القويم لتطوير التعليم في كوردستان هو نصف الجهد، والإجراءات التي تتخذها حكوماتها ومؤسّساتها من خلال الخطط الموضوعة هي النصف الآخر.

 

العلم والتعليم هو مَن يؤسّس الدول ويطوّر الحكومات ويبني العقول ويخرج أجيالاً للنور والمعرفة، فهو ببساطة محاولة تغيير السلوك، وفكرة الحروب أصلاً قائمة على صفة العدوانية التي لم يواجهها الدول في مرحلة مبكرة من سن الأطفال، بل لعل بعض الدول تغرس في نفوس أبنائها العداء والعدوانية منذ الصغر، لتوظف هذه العدوانية عند الكبر، ولنا في مناهج التعليم اليهودي خير دليل على ذلك، فكل طفل إسرائيلي يحلم أن يكبر ليحارب العرب والمسلمين ويقضي عليهم، وكل طفل عربي يحلم أن يكبر ليحارب الكورد أيضاً ويقضي على كوردستان، ولذا يمكن توظيف التعليم لكافة أغراض الدولة، وإن أول شيء يمكن أن يعلي من قيمة السلام في العالم أجمع لن يكون إلا التعليم، فالتعليم هو أساس لبناء كوردستان، وخير مثال هو تجربة اليابان وأمريكا والصين، وغيرها الكثير من الدول التي تطوّرت بفضل التعليم.