تتحقق اليوم أهمية التعليم في كل مكان في العالم فهي الآن على رأس جدول الأعمال لمعظم الدول. لكنه في العراق لازال يرضخ تحت وطأة التخلف والاهمال مما ادى الى أن يدفع العراق ثمناً باهظاً نتيجة هذا الاهمال. العراق بعد 51 عاما من انشاء وزارة للتعليم العالي يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه وفي وضع يتميز بتدهور التعليم وخرابه.
أصبح التعليم العالي أكثر أهمية خصوصا في الاقتصادات القائمة على المعرفة، ولا سيما جودة التعليم فهي أمر بالغ الأهمية للتنمية الوطنية. المشكلة في العراق هي فساد التعليم مما يعيق تجويده وتطوره. يذكر البنك الدولي (2000) أنه "بدون تعليم عالٍ أفضل، ستجد البلدان النامية صعوبة متزايدة في الاستفادة من الاقتصاد العالمي القائم على المعرفة".
نظام التعليم العالي في العراق بعيد كل البعد عن التطور. تعتبر مسألة الحوكمة ونقيضها المحاصصة ودور مجالس الجامعات في كل من القطاعين الحكومي والاهلي أمرا بالغ الأهمية، وهناك حاجة إلى إدارة أفضل لضمان الجودة. وبالتأكيد لا يتساوى التعليم العالي والشهادات العليا في العراق مع المعايير الدولية، مما يترك قلة من الخريجين المؤهلين الذين يمكنهم المساعدة في إعادة بناء مؤسسات التعليم العالي.
معظم الجامعات الحكومية والاهلية لا تقترب لا في ادارتها ولا في التدريس والبحث بالجامعات في اوربا وامريكا، حيث ان جودة التدريس والبحث أضعف بكثير مما لا يمنح اي مجال هنا للمقارنة. معظم "التدريس" بالجامعات لا يرقى الا الى مجرد إملاء الملاحظات التي قام المدرس بنسخها عندما كان طالبا في نفس القسم، والامتحانات هي اختبارات للذاكرة، وتسيب الطلبة حالة منتشرة، ويرتكب عدد كبير من التدريسيين والباحثين الاحتيال الأكاديمي والبحثي بدون رادع. رسميا تدار معظم الجامعات من قبل رؤوساء وعمداء تم تعينهم على اساس المحاصصة السياسية وليس على اساس الكفاءة،. كانت الحكمة الشائعة دائما هي أن زيادة التمويل يمكن أن تحل جميع، أو على الأقل معظم، المشاكل التنظيمية التي تفسد التعليم العالي في العراق ولذلك افسد التعليم من خلال الاجور كالتعليم الموازي والتعليم المسائي والجامعات الاهلية.
تعتبر قضايا سوء الحوكمة والادارة على المستوى الهيكلي والأكاديمي والتنظيمي من اهم العوائق التي تقف امام تحسين جودة التعليم، لا بل تساهم بصورة اساسية في تدهور التعليم. وتظل الجامعات شديدة المركزية لدرجة أن عملية صنع القرار لا تزال مشوهة ولا تزال الجامعات تدار من قبل الوزارة بصورة مركزية مقيتة بحيث تبدو الجامعات وكأنها فروع لجامعة واحدة اسمها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. هناك حاجة ملحة إلى اللامركزية من حيث اتخاذ القرار وهناك حاجة شديدة الى وضع الكفاءات في قمة هرم القرار.
كخلاصة، اضع امامكم اهم مظاهر نظام التعليم العالي في العراق ومشاكله والتي من دون احداث ثورة كبرى في التعليم العالي، ومن دون احداث تغيير حقيقي في الاتجاهات والمفاهيم والسياسات، ستبقى جاثمة في قلب النظام لتحول دون حصول اي تطور او تحسين:
1- تهافت كل من هب ودب نحو الحصول على الشهادات الجامعية وخصوصا الشهادات العليا من دون الاخذ بنظر الاعتبار أهميتها في سوق العمل.
2- مقاومة الطلاب تجاه ألاساليب الحديثة في التعليم والامتحانات.
3- تراجع العلاقات المهنية والتضامن في مجال التعليم.
4- هيمنة الوزارة وجهازها البيروقراطي على امور الجامعات.
5- فساد أساليب انتقاء المسؤولين الإداريين ورؤساء الجامعات واخضاعها للمحاصصة.
5- عزلة الجامعة عن ما يحصل من تطورات في التربية والتعليم في العالم وتنامي معاداة نظريات التعلم والطرائق البيداغوجية وتعزيز هيمنة المواد التعليمية التقليدية التي تعود الى حالة الحصار الذاتي الذي تعيشه الجامعات.
8- تدني اخلاق المهنة وتفشي ظاهرة التزوير والسرقة الفكرية.
9- بروز ثقافة تقييم عنيفة واختزالية وتبسيطية.
10- عدم الاهتمام بتلبية حاجيات الاقتصاد وسوق العمل.