عبد الله هاشم/ يعد سقوط نظام الأسد في سوريا تحولا عميقا في المشهد الجيوسياسي والعسكري ليس فقط في سوريا بل في المنطقة، بأكملها، وهو بلا شك تطور يعيد رسم خارطة القوى الإقليمية والدولية المتناحرة في هذا البلد العربي المنكوب، فإيران التي كانت لاعبا رئيسيا هناك لعقود وجدت نفسها خارج دائرة التأثير وخرجت من سوريا بشكل مُذل، وهي بالطبع لن تمرر الأمر من دون إحداث فوضى في المشهد، وتحاول إفشال خصومها وعلى رأسهم تركيا التي ترى طهران في ما حدث طعنة غدر من أنقرة، وما حدث لإيان في سوريا يكاد ينطبق على روسيا.
التأثيرات على العراق
لا شك ان ما وقع في سوريا ستمتد تأثيراته العميقة إلى العراق، وقد عبرت الحكومة والمكونات العراقية عن قلق مبرر من التطورات في المشهد السوري، وتحاول حكومة السوداني النأي ببغداد عن الصراع، إدراكاً منها لحساسية الوضع الداخلي العراقي وخشية من تداعيات التدخل، كما جاء قرار بغداد بمنع ميليشيات تابعة لإيران من الدخول إلى سوريا في أعقاب الهجوم على دمشق كمحاولة لتجنب مزيد من التصعيد وجرّ العراق إلى مستنقع الصراع السوري، وقد حشد الجيش العراقي قوات عسكرية كبيرة على الحدود خوفا من تسلل إرهابيين إلى أراضية وهو تهديد سيبقى قائما ما دامت سيطرة تلك الفصائل على سوريا
وضاعفت مشاهد مخيفة في سوريا، مثل نبش القبور والانتقام الطائفي، الخوف من تعميق الجراح ويعيد تأجيج الانقسامات المذهبية، وهو أمر قد يمتد صداه إلى العراق، الذي يضم مجتمعاً متنوعاً يعاني من حساسيات طائفية متفاقمة، ورغم أن بغداد سجلت موقفا عُد فيه استقلالية نسبية بمنع التنظيمات الموالية لإيران من دخول سوريا للقتال، إلا أن تساؤلات تحوم حول قدرة بغداد على مقاومة الضغوط الإقليمية" خاصة مع وجود فصائل مسلحة تتبع النظام الإيراني داخل العراق والتي قد تحاول الالتفاف على قرارات الحكومة لتحقيق مصالحها الإقليمية
مخاوف الأقليات والنزوح
سيطرة الفصائل المتشددة على دمشق أثارت مخاوف الأقليات الدينية والعرقية في سوريا, خاصة الطائفة الشيعية التي ترى نفسها في تهددي مباشر ومُحدق دفع بالكثير من العوائل الشيعية إلى النزوح والهرب باتجاهه الحدود اللبنانية والعراقية ، وهو ما يضع بغداد أمام تحديات إنسانية واقتصادية كبيرة، في بلد يعاني أصلا من أزمات اقتصادية وبنية تحتية هشة.
كما تتخوف بغداد من تسبب عمليات الانتقام والانتهاكات بحق الأقليات في سوريا من قبل فصائل متطرفة إلة توترات طائفية واجتماعية في الداخل العراقي، خاصة مع رصد واضح لتصاعد الخطاب الطائفي على خلفية الصراع السوري
الدور التركي
لا يمكن تجاهل الدور التركي والقطري في دعم وتمويل وتدريب بعض الجماعات المسلحة المتطرفة المصنفة دولياً كإرهابية، مساعي أنقرة تعزيز نفوذها الإقليمي عبر دعم الفصائل المسلحة في سوريا لتحقيق أجنداتها السياسية والاقتصادية، وهو امر يثير - بلا شك - مخاوف كبيرة حول النوايا المستقبلية لهذه الدول وتأثيرها على مستقبل سوريا والمنطقة إذ إن تمكين الجماعات المتطرفة لا يؤدي إلا إلى تعميق الفوضى وتهديد أمن واستقرار المنطقة برمتها.
فرحة السوريين تفرحنا
رغم كل ما سبق لا يمكن إنكار فرحة غالبية السوريين بسقوط نظام الأسد الذي كان رمزاً للقمع والاستبداد لعقود طويلة والتأكيد على إنها لحظة تاريخية بالنسبة للكثيرين الذين حُرموا من حقوقهم السياسية والإنسانية لكن يبقى السؤال: هل ستحمل الأيام القادمة الفرح الحقيقي والحرية الدائمة للسوريين أم ستتحول هذه اللحظة إلى كابوس جديد تحت حكم الجماعات المتطرفة؟
نأمل أن يرى الشعب السوري مستقبلاً مزدهراً ينعم فيه بالسلام والعدالة، بعيداً عن الاستبداد والتطرف.
خلاصة:
إنه من حق الشعب السوري ان يختار من يحكمه وان ينعم بالاستقرار والازدهار لكن سيطرة الفصائل المتطرفة على البلاد تمثل خطراً داهماً على سوريا والعراق معاً، خاصة في ظل الوضع الهش الذي يعاني منه العراق ووجود قوى إقليمية تسعى لاستغلال الأزمة لصالح أجنداتها الخاصة ولها مطامعه تاريخية في الدولتين
يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في مواجهة تصاعد التطرف وضمان حماية الأقليات ومنع حدوث موجات نزوح كارثية
وفي الوقت ذاته، يجب على العراق أن يبقى يقظاً تجاه أي محاولة لجرّه إلى صراعات إقليمية قد تدفعه إلى حافة الهاوية