قرأت بتأن مشروع التسوية الشيعية التي طرحت من قبل السيد عمار الحكيم رئيس التحالف الوطني، أو كما يحب البعض تسميته مشروع التحالف الوطني، ولم أستطع تجنب التفكير في أحداث تجري بسرعة أكبر من غيرها، وفي أناس يقطعون الأرزاق ويقابلوننا بإبتسامات ليست بريئة ويتجهالون وتائر التغيير. تسألت عن السبب الذي دفع هؤلاء الى طرح مشروع جديد للتسوية، يحمل في ثنياه، مبرّرات فشله أكثر من مبرّرات نجاحه، مشروع لايشخص الداء ويبحث عن الدواء، يريد الحفاظ على وحدة الاراضي العراقية غير الموحدة، دون التفكير في أسباب الإنقسام ، يخاطب المنضوين للعملية السياسية دون التعبيرعن إرادة حقيقية لبناء دولة قانون ومواطنة متساوية. يخاطب المشغولين بالتسقيط والتخوين ويعانون من الإنقسام بين شيع وأحزاب وفصائل لاتمتلك شجاعة التآلف فيما بينها، أو الإعتراف بالأخطاء وتقديم الإعتذار بسبب المكاسب والأنانيات والطموحات الشخصية والحزبية والمناطقية .
بحثت بين ثنايا المشروع عن البيت القصيد فيه، فوجدت فيه أبياتاً تتلخص في الوقوف ضد التطلعات الكوردستانية في إعلان الإستقلال، بدعوى الشراكة والاندماج والتكامل والمحافظة على وحدة الاراضي العراقية، وفي السعي الى الغلبة والاستحواذ على السلطة وتثبيت الحق الشيعي في تشكيل حكومة الأغلبية السياسية أو حكومة الأمر الواقع والسير بإتجاه تجسير الاستحقاق السياسي للأكثرية، وتجاهل التقسيمات والتناقضات بين قوى التحالف الوطني وداخل كل قوة، ليكون هدفها الأساسي ليس تمثيل مكونات الشعب العراقي.
البيت القصيد الآخرالذي يثير الأسى في المشروع حقاً هو محاولة تحميل الآخرين مسؤولية عبء الإخفاقات وإنهيار المؤسسات الأمنية والإدارية وزيادة الشروخ بين المواطنين وإدارة عقارب الساعة على توقيت عملية سياسية أتقنت صناعة الأوهام وبيعها، والبكاء على أطلال وطن ضاع، والتعويل على مواطنين فقدوا الثقة والأمل بسياسيين ينبغي أن لا يكون لهم دور في رسم المستقبل لأنهم لايستطيعون حتى تبرئة أنفسهم من مسؤولية خلق التصدعات.
لا أدخل في تفاصيل العلاقات الكوردية الشيعية التي تستند على القيم المشتركة والروابط التاريخية وتتجاوز المصالح المؤقتة، ولا أتعب نفسي ولا أتعبكم معي بالدخول في تفاصيل التسوية التي يعتبرها البعض حبكة مكونة من الأحلام العريضة. ولا أسأل مع من؟ وكيف؟ ولماذا؟ ولا أطرح كل الأسئلة التي تخطر على البال ضمن ظروف الزمان والمكان ومعطياتهما التي نعيشها وكذلك التحدّيات التي نواجهها، لأني على يقين تام بأنكم تشعرون بالأشياء ذاتها، وعلى ثقة بأن عهد الغياب عن الوعي وتصديق الشعارات البرّاقة المخدرة والتصفيق لها قد مضى. ولكني أقول : ليس بوسع هذا المشروع الذي يتقاطع مع مصالح الكوردستانيين القيام بشىء يذكر في المعادلة الجديدة في ظل فقدان التوازنات الواضحة الحالية. ومن المستحيل حدوث تطور على المديين القريب المتوسط في العلاقات بين الجميع وخاصة المتعلقة بالمواضيع الحرجة والعلاقات الداخلية والخارجية.
وبأختصار أشد أقول: المشروع برمته لايعنيني لأنه لا يدعو للتفاؤل على الإطلاق في بلد أصبح ساحة حرب لتصفية الحسابات بين الدول، وأصبحت فيه الشراكة مفردة مستحيلة وتتداخل فيها عوامل عديدة، ولايعنيني لأنه لم يتجرأ أن يصف الخطر والريح الأسود الذي أحاط ويحيط الكثيرين، والذي كان وراء المجازر والأزمات والمتغيرات، وسيكون وراء الهزة القادمة لو لم يتم تحجيمه.