بعد الإستفتاء واجه إقليم كوردستان مشكلات كبيرة وكثيرة، تمثلت في تجاوز بغداد للدستور وإنتهاك إرادة المواطن الكوردستاني، وفرض الحصار، وتنافس غير المعقول مع المعقول، وتلاطم المكائد السياسية والإقتصادية، وتهديد الوضع الفدرالي الدستوري الراهن للإقليم.
في وسط تلك الزحمة والأحداث المؤسفة، راقب الكوردستانيون التطورات الميدانية والمتغيرات الإقليمية والتحولات التي تستوجب النظر والاستيعاب والتعامل والتجاوب معها، وكذلك التي تستحق مقاومتها، دون تصعيد. ولأنهم ورثوا الكثير من الصراعات والقضايا المثيرة، وقفوا على مفترق الإختيار بين الإلتفات الى الماضي الجارح الأليم بسبب راكبي موجة السياسة الذين لايمتون للفهم والصدق والأمانة بصلة، وبين التطلع إلى المستقبل وحب الوطن من حيث حمايته من قبل الذين إعتادوا على التضحية ومقارعة الظلم والمطالبة بالحقوق وتطبيق القانون والعدالة والمساواة بين الجميع. وإتجهت الأنظار نحو السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم ليقف في طليعة المتطلعين للغد الأفضل، وليفتح الأبواب والنوافذ المغلقة بين أربيل وبغداد أولاً، وبين أربيل وعواصم العالم تالياً، بوجه الكوردستانيين.
زيارات وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير لاين، ووزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، ووفد وزارة الخارجية الأمريكية برئاسة جون سوليفان نائب وزير الخارجية الأمريكي، وآندرو بيك نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، وإيريك ماير نائب مساعد وزير الخزانة الأمريكي ودوغلاس سيليمان السفير الأمريكي في العراق، وإجتماعاتهم مع رئيس وزراء إقليم كوردستان. وتأكيداتهم الجادة على إلتزام بلدانهم باستمرار العلاقات مع إقليم كوردستان ودعم شعب وحكومة الإقليم وقوات البيشمركه، وعلى ضرورة إرساء الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني في المنطقة. ودعواتهم لحل المشكلات بين أربيل وبغداد على أساس الدستور العراقي ومن خلال الحوار. وتأكيداتهم على ضرورة إرساء الاستقرارالاقتصادي والسياسي والأمني في المنطقة وحفاظ إقليم كوردستان على مكانته الهامة التي يشغلها، فتعتبر تحطيماً للحصار السياسي والدبلوماسيوالإقتصادي المفروض على إقليم كوردستان. وتأكيدات لاتقبل المناقشة على ما أوردتها وسائل إعلام عالمية ومراكز دراسات ومسؤولين دبلوماسيين كبار، وعاملين خلف كواليس مراكز صناعة القرار في العالم، وأصحاب القامات الطويلة الذين يرون ما لايراه الآخرون، وفقاً لمبررات فكرية ان نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، هو الشخص الذي لا يمكن الاستغناء عنه كوردستانياً للإمساك بخيوط اللعبة وتجاوز المشكلات وبناء المستقبل الأفضل.
رئيس حكومة الإقليم، بحكم طبيعة النظام السياسي ونتائج الإنتخابات التشريعية، هو من الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الأقوى نفوذاً، والذي يتحمل المسؤوليات وتبعاتها وحماية المصالح الاستراتيجية، وإتخاذ الاجراءات الوقائية، وإحتواء كلالمعضلات، وإتخاذ التدابير اللازمة بخصوص العلاقات السلبية والإيجابية بين الأحزاب الكوردستانية التي لم تقم بأي حال من الأحوال على حسن النوايا، لأنها نشأت وتطورت وفقاً لدرجة المصالح المتبادلة ومدى التشابه والتطابق النسبيين أو الاختلاف النسبي في الرؤى، ولا تخرج علاقة حكومة الإقليم، منذ بداية تشكيل الكابينة الحالية في العام 2014 برئاسة نيجيرفان بارزاني عن هذا السياق، ولكن ما يهم هو أن نضع الخلافات البينية جانباً لمواجهة ما نعتبره تهديداً إستراتيجياً مشتركاً، وأن يعرف الجميع في هذه المرحلة أن الشعب الكوردستاني، قوي وفاعل يريد أن يقدم نفسه للعالم على حقيقته الميالة للسلام والاستقرار.
أما الأجواء التفاؤلية التي تسود الإتصالات الإيجابية بين أربيل وبغداد من جهة، وبين أربيل والعواصم المهمة، والتي قطعت شوطاً كبيراَ في الفهم المتبادل، فإنها تؤكد على وجود إرادة جامعة لمحاصرة كل الظواهر السلبية. وتدل على إمكانية معالجة النقاط العالقة بتقريب وجهات النظر والحوار والإنفتاح على جميع الإتجاهات لتسهيل العقد المستعصية ومعالجة الإشكالات الجوهرية الكبرى، وهذا الجو المتفائل بالنسبة للكوردستانيين، سيمهّد حتماً لإستحقاقين آخرين لا يقلان أهمية عن الإستحقاقات الوطنية والقومية المهمة، ألا وهما، إنتخابات البرلمان العراقي، والإنتخابات التشريعية في الإقليم، ويتفق الجميع على أهمية هاتين العمليتين، ويعتبرونهما وقتين مهمين تمتحن فيهما الذكاء والإخلاص، وتختبر فيهما الإرادة والشجاعة دفاعاً عن الثوابت والقيم، كما يعدونهما إستحقاقين وطنيين لإثبات الهوية والذات والقرار الصحيح الذي يرسم معالم الحياة السياسية المقبلة والبرامج والمشاريع التي تخدم المواطن الكوردستاني وتجسد تطلعاته المشروعة.