بين المعقول واللامعقول وفق القياسات العقلية ، يجب أن يكون تقديم النفس لغرض استعراض الإنجازات المتراكمة للفرد معياراً للاختيار من خلال الاختبار في أي مجال مهما كان الموضوع، صغيراً كان او كبيراً ويضع المعقول في محك التساؤل النقدي في ألامور ،وحول الفكر وعرض الذات للمجتمع، ليس لإقصاء الآخرين بل احتراماً لتقاليد المرتبطة بهم و التي لها أهمية بالغة في النهضة ورفض الأنانية واستغلال الأزمات بالارتدادات التي هي من عوامل الانهيار والضياع.
مع الاسف هناك البعض من السياسيين الذين يرغبون في احتكار كل شيء دون إمكانات أو قدرات أو معرفة إلا من خلال المحسوبية، والمحاصصة التي تغدق بالمخصصات السخية لمن يفتقرون إلى الخبرة والمعرفة، ومن هؤلاء الأشخاص الذين ينددون بصاحب الخبرة عندما يطالب مقابل عمله، ويستنكر سلوكه الذين يستغلون المقربين منهم لمجرد كونه يعتقد انه قوي ويستطيع ان يفعل ما يفعل ، للوصول الى غاياته ومكائده التي تفتك بالامة ، غير مبالي بأنه عمل مخالف للأخلاق والإنسانية والدين والذين يستعملون عناوينهم المكشوفة في دغدغة للعواطف لمحاولة التغطية على فسادهم وأصبحت توجهاتهم غير مسموعة عند قواعدهم ، وهو فعل انتهازي يفتك بدون هوادة بالمجتمع ضمن اطر حسابات الذات دون الامة ويأخذ كل الحقوق والموارد ولا يكتفي بشئ من باب الشطارة ولاشك بأن حبل الكذب قصير،
ولو نظرنا الى العراق في المنطقة رغم كل الإمكانات الإلهية المعطاة سنلاحظ تراجعاً كبيراً في كل مجالات الحياة الاساسية وأزمات متواصلة ذات أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وتصاعدت ازمة الطاقة مع بداية كل صيف بسبب النقص الكبير في تجهيز الطاقة الكهربائية مع ارتفاع درجات الحرارة والتي ابتلعها الفساد، لتؤدي إلى سلسلة من المطالبات والاحتجاجات في اكثر مدن. تَرافق ذلك مع إعلان عدد كبير من القوى الاحتجاجية والمدنية مقاطعتها الانتخابات المقبلة بسبب عدم توافر الشروط المناسبة لضمانات حرة ونزيهة وعدم تكافؤ الفرص ، رغم الحديث عن عقد مؤتمرات شاملة ولقاءات بين القوى السياسية ، إلا أن معظم المحاولات بهذا الاتجاه لم تُسفر بعد عن نتيجة واضحة، ومازال هناك تعدد في الرؤى وخلافات بينها حول خريطة الطريق المقبلة، وما أن يتأزم في امر ما حتى يتبعه الآخر، فهناك أزمة حقيقية معيشة على المستوى العام والاقتصاد متدهور والصحة من سيئة الى أسوأ يوما بعد يوم ، ويكون ذلك تناسب طردي مع كثرة التدخلات والترتيبات والمشاريع الخارجية المُعدّة له، خاصة أنّا لكتل السياسية فقدت كثيراً من إمكاناتها التي كانت تتكئ عليها في رحلتها الداخلية المليئة بالتحديات والمعاناة للشعب ، فمن البحث عن دوره في العملية السياسية الى محاولة إيجاد أي تكتل جماعي، لينتهي بها الأمر للوصول إلى صراع من أجل البقاء، خاصة أنّ كثيراً من أوراق وأدوات التحكم الذاتي، خرجت من يدها.
لقد إتسم النظام السياسي في العراق بعد عام 2003 بعدم الاستقرار مدفوعًا بمصالح دول اخرى ،والتي تتطلب تعزيز العالقة بين العراقيين والدولة. حيث يعيش الآن واحد من بين خمسة عراقيين تحت خط الفقر، رغم أن الثروة النفطية الهائلة شهدت معدلات نمو سريعة على مدار العقد الماضي وبلعت مواردها المليارات من الدولارات ولكن ابتلعت من قبل الطبقة السياسية الحاكمة وتركيز الثروة في أيدي هؤلاء النخب الفاسدة يضر ببناء الدولة وشرعية الحكومات.،والحاجة إلى مراجعة مجمل العمليّة السياسيّة والتأسيس لعقد سياسي جديد يتضمن تصحيح المسارات ليلبي طموحات الشعب و بلورة عقد سياسي واجتماعي جديد بإزالة التراكمات والمخاوف الاجتماعيّة وتوسيع دائرة المشاركة السياسيّة في التحديات الأمنية التي خلقتها الجماعات الإرهابية والعصابات التي أخذت بالتحرك من جديد لضعف الاداء الحكومي ، وبقايا عصابات النظام السابق لازالت قائمة . بالإضافة إلى ذلك السيطرة على المشهد السياسي خلال كل إدارة عراقية تقريبًا منذ عام 2003 من قبل ائتلافات ضعيفة هجينة دون ايديولوجية مشتركة ومنقسمة غير قادرة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي تشتد الحاجة إليها لغياب الوطنية فيهم على وجه الخصوص ما أفرزته التوترات والخلافات العميقة بين الأحزاب والائتلافات السياسية مما أوجدت وضاعفت من معاناة الشعب. وقد تفاقم فشل الحكم هذا بسبب الافتقار إلى المؤسسات الفعالة والبيروقراطية التي لم تعترف بعضها حتى بشرعية النظام الجديد لتوغل عناصر من النظام السابق تحت عباءات الكتل السياسية وعدم كفاءة المسؤولين وعدم قدرتهم لمعالجة المشاكل وكان إختيارهم قد تم بناءً على أساس الولاء الكتل المنضوية في إدارة الحكومة والذين تم تحميلهم المهام الكبيرة التي لم تكن بقدر عقولهم ،و بنيت معظم مؤسسات الدولة العراقية الحالية بالأصل وفق نظام مختلف كليًا عن النظام الدستوري الفيدرالي الديمقراطي الذي كان من المفترض أن يتم إنشاؤه بعد استفتاء عام 2005 ، وظلت بيروقراطية مليئة بمسؤولين متكاسلين ونفعيين، حتى بدرجات أدنى، ، والتي غالبًا ما أدت في تطبيقها إلى تفاقم مشاكل الفساد والمحسوبية ، ومعارضة البيروقراطية وسلاسل القيادة الفضفاضة التي أعاقت تنفيذ العديد من القوانين واللوائح والقرارات الرئيسية،وختاما يقول الكاتب الأمريكي ويليام آرثر وارد: «ركز طاقتك على الأجوبة وليس على اختلاق الأعذار»، فليس هناك أسوأ من مسؤول لا يملك من أمره شيئاً سوى تحذير من ارتدادات انهيار بلاده، وكأن المشكلة في الارتدادات لا في كونه عامل في دمار وضياع دولته وتأثير ذلك على أبناء شعبه .