ان الادارات الامريكية الجديدة تحاول اظهار اختلافها عن سابقاتها حيث يبحث كل رئيس عن سبيل يظهر اختلافه عن سلفه لكي لا يشعر من صوّت له بالندم او انها جزء من تنفيذ برنامجه الانتخابي مع الفارق .
و هذا الاختلاف تظهر بشكل واضح عند الرئيس الامريكي (ترامب) عن سابقه (باراك اوباما) و يرجع ذلك الى انتمائهما الى مدرستين مختلفتين في رؤيتها لادارة دفة الحكم فأحداها تولي تحسين الوضع الداخلي (الاقتصادي و الصحي) اهمية كبيرة و اخرى تهتم بالسياسة الخارجية و تحاول اظهار امريكا كقوة رئيسة تستطيع ان تلعب دورها و تؤثر في صنع الاحداث و المواقف من القضايا الدولية ذات الشأن العام و يظهر هذا الاختلاف في :
- ان زيارة ترامب الى المملكة العربية السعودية و اجتماعه بقادة الدول العربية و الاسلامية و عقد صفقات كبيرة في المجال الاقتصادي و السياسي و الامني و التوقيع على بيان مشترك لاستراتيجية بعيدة المدى كخارطة الطريق للاستمرار و تقوية العلاقات القديمة بينهما و لكن هذه المرة بشكل اوسع ، دليل على اختلاف الادارة الجديدة عن سابقتها في السلوك و الفهم و التنفيذ بالاضافة الى ان العلاقات السابقة كانت في مجملها علاقات اقتصادية و عسكرية و لكن هذه المرة شملت الجوانب الاستثمارية و الامنية ايضاً . و انها بعثت برسالة الى دول المنطقة بأسرها الصديقة و غيرها بأن السعودية تملك مقومات اقتصادية و سياسية و امنية تمكنها من قيادة زمام الامور في قضايا المنطقة و ان امنها و أمن المنطقة هو جزء من أمن أمريكا و انها ذات اهمية و تشغل حيزاً في استراتيجيات امريكا تجاه المنطقة .
- ان ترامب و خاصةً بعد زيارته للسعودية قد غيّر من نظرة المجتمع الامريكي عن الدين الاسلامي حيث وصفه بالدين العظيم و ابدى احترامه للمسلمين و دعا الى محاربة الفكر المتطرف التكفيري الذي يعد داءً يشكو منه الدول الاسلامية قبل الغربية، فالجماعات الارهابية التي بنت سياستها على التطرف الديني والتدمير و زرع الكراهية باتت تشكل تهديداً مباشراً لأمن المنطقة و العالم و تزعزع الاستقرار و الثقة بين المجتمعات لانه لا يعرف الحدود و لا دين له .
- جمهورية ايران الاسلامية ،تلك الدولة التي استطاعت فرض اجنداتها على الساحة الاقليمية و تلعب دورها في احداث المنطقة بفضل قوتها الاقتصادية و السياسية و الطائفية و تمكنت ان تغير قواعد اللعبة في سوريا و اليمن و لبنان و العراق بهدف انشاء هلال شيعي ناهيك عن ما يقال عنها بدعمها للجماعات الارهابية المتنوعة و المتعددة لتحقيق مأربها و الادهى منها بان نواياها لا تقف عند هذه الحدود بل تتجاوز التهديد بفناء المنطقة السنية من الوجود و استبدالها بشيعية .
ان الادارة الامريكية السابقة في كثير من الاحيان كانت تساير ايران على سلوكياتها و تغض النظر عنها و تعدها جزءاً من الحل للمشاكل التي تعاني منها المنطقة و في سبيل ذلك تم التوقيع على الاتفاقية النووية و اطلقت يدها في الجوار الاقليمي و موقفها تجاه تصرفات ايران كانت لا تصل الى مستوى قوة امريكا الحقيقية .
اما نظرة الادارة الجديدة تختلف عن ذلك و تعتبر ايران مصدراً للمشاكل و منبع تمويل الجماعات الارهابية مادياً ومعنوياً و انها رأس الافعى للسياسات المبنية على التطرف و الطائفية المقيتة .
ان الرؤية الجديدة للادارة الامريكية الى ايران تجعل من المتحالفين معها في الخندق الامامي لمواجهته المد الايراني في المنطقة و من الجانب الاخر يدفع بدولة ايران على اللعب بكل اوراقها في سبيل حماية مصالحها و تحقيق اجنداتها و تقف حائلاً امام طموحات شعوب المنطقة بالاستقلال و تتجه بها الى المزيد من النيران و التعقيد و عليه نتأمل الظغوطات العديدة .