تختلط الأوراق في بلد مثل العراق تتنازعه الطوائف والقوميات والمطامع، ويندفع أبناؤه لتحصيل المكاسب الشخصية على حساب المجموع العام من الشعب المحروم من حقوقه.
تشكلت الدولة العراقية الحديثة بإتفاق بين الإنجليز والقيادات السنية المتاحة في حينه، بينما خدع الشيعة بالشعارات الدينية والجهاد الزائف، وتخلفوا عن الركب، وصار الشيعي يحلم بمنصب موظف في مركز شرطة، بينما إتفق عبد الرحمن النقيب مع مسز بيل البريطانية الجامحة على إدارة الدولة العراقية الناشئة وجيء بفيصل المطرود من عرش سوريا ليكون ملكا على العراق الجديد البريطاني.
بقي الشيعة لأكثر من ثمانين عاما ملطشة للحكام السنة الطامحين والمدعومين من الدول العربية التي كانت ترى في نظام صدام حسين مثلا درعا واقيا لصد هجمات الدولة الفارسية الصاعدة بعد سقوط الشاه وقيام النظام الديني وفق المذهب الشيعي الذي غير وجه إيران والعراق والمنطقة عموما، وحينها بدأت الحرب العراقية الإيرانية التي أراد منها العرب أن توقف الحلم الإيراني بنزيف عراقي لم ينقطع إلا بعد ثماني سنوات، وفي الحقيقة فالحلم الإيراني لم يتوقف بل تأجل لبضع سنين، ثم عاد بقوة جامحا وقاهرا، غير أن من دفع الثمن هم العراقيون الذين قاتلوا بشراسة، وقتل منهم الملايين، بينما كان ملايين آخرون يهربون من قمع صدام ومثلهم في المقابر والسجون، ولوهلة كان السائد أن الطائفة السنية في العراق هي المستفيدة والمنتفعة لكن الحقيقة غير ذلك، وقد أثبتت الوقائع أن الهم العراقي قد ينسحب على الجميع، ويكون الجميع ضحايا له كما هو اليوم حيث يعيش السنة في أسوأ ظروف، تحيط بهم دول عربية سنية مستغلة تبحث عن منافع خاصة وتعمل بجهود إستخباراتية لإحتواء التمدد الشيعي المستند الى دولة قوية هي إيران، وصار السنة بسبب الإسلام الراديكالي السني القامع للإسلام السياسي المعتدل والعاجز في حال مزرية من الحرمان والتشرد والضياع الذي سببه المتشددون الذين يرفعون شعارات، ويطبقون أخرى لامصداقية لها.
وبينما نشط الشيعة في الفترة التي تلت سقوط نظام صدام حسين، كان السنة موزعين بين إسلامين، سياسي موال للسعودية وقطر ودول أخرى، وراديكالي متفجر عاد بالخراب عليهم، فصارت العداوة هي التي تحكم المشهد العراقي وكذلك مشاعر عدم الثقة بين أتباع الطائفتين مع ماقام به السياسيون من إستغلال لمشاعر الولاء والإنتماء، حتى غدا التنازل عن الحق العراقي لهذا الطرف الإقليمي أو ذاك ليس عيبا، بل نوعا من التوفيق بين المصالح خاصة وأن غالب السياسيين العراقيين من فئة الصعاليك كانوا يقتاتون على موائد دول الجوار، وكانوا عملاء لأجهزة مخابرات، فليس غريبا أن يندفعوا لخدمة الأجندات الخارجية، ويسكتون عن مايتعرض له الوطن من تآكل وضياع ونهب وسلب، وربما إشترك كثير منهم في ذلك الفعل الشائن الذي سيسجله التاريخ كعار لاينتهي في سجلاته الحافلة بنقاط وعلامات العار.
وليس غريبا أن يسكت السياسيون السنة عن تنازل العراق عن خور عبدالله للكويت، وليس غريبا أن يسكتوا عن تجاوزات السعودية، وعن دخول قوات تركية الى الموصل، وأن لاتبدر منهم مواقف متشددة ضد من ينتهك سيادة العراق وهم في ذلك لايختلفون عن سياسيي الشيعة الذين زادوا من معاناة هذه الطائفة المقهورة من الأنظمة الغابرة ومن النظام الحالي الذي يدعي خدمتهم، بينما هو يحرمهم من كل شيء، وسيسجل التاريخ أيضا أن القادة الشيعة ليسوا أقل سوءا من نظرائهم السنة فكل منهم يبحث عن عمالة ودائرة موالاة رخيصة تجعله مضحيا بوطنه وشعبه من أجل مصلحة شخصية زائلة.