سابقا وربما قبل نصف قرن أو أكثر بقليل، كانت الألقاب إلى حد ما تعبر عن حقيقة حامليها، سواء كانت تلك الألقاب أكاديمية كدرجات علمية أو مهنية كالمعلم والمهندس والطبيب والفيتر والجقماقجي والدباغ، وهكذا حسب المهنة والتخصص فيها وصولا إلى الأستاذية (البروفيسور) أكاديميا و(الاوسطة) أو الخبير مهنيا، وفي الجانب الاجتماعي وطبقاته كانت الألقاب من قبيل الشيخ والأغا وعميد الأسرة تعبر عن موقع الشخص في مجموعته الاجتماعية، وهي وباستثناء عميد الأسرة القابلة للانتقال أو التغيير فان الشيخ والأغا تكون متوارثة دوما في القبائل المعروفة بترتيبها ورمزية مرجعيتها القيادية.

 

  وباستثناء هذين الحقلين توجد ألقاب أخرى تطلق على الذي يقوم بتأدية احد الفروض الدينية وهو الحاج ويلتصق هذا اللقب بصاحبه حتى وان ابتعد كثيرا عن فلسفة دينه وتعاليمها، حتى وصل الأمر بإطلاقه على كبار السن بصرف النظر عن حقيقته أو دينه، ومؤخرا على زعماء الأحزاب وقيادات الحشد الشعبي، وكذا الحال باللقب النسبي أي بالانتماء إلى نسب آل البيت، حيث يطلق على من يدعي انه من أحفاد أي كان من آل البيت، بما تمنحه هذه الصفة واللقب من تشريف اجتماعي مبالغ به كثيرا، متناسين إن الكثير من أقرباء الرسول لم يدخلوا الإسلام بل قاتلوه وقتلوا، والغريب إن هذا اللقب أو الصفة تطلق على ملايين العراقيين منذ 2003 وحتى اليوم، ويلحق هذا النمط من الألقاب تسميات أو مناداة على شاكلة مولانا وسيدنا وشيخنا والزاير والزايرة، إضافة إلى لقب الملا الذي كان يطلق على أي شخص مجرد انه يقرأ ويكتب وخاصة آيات القرآن في الريف تحديدا، حتى انتشر فأصبح ملازما لأمام الجامع ورجل الدين.

 

سنترك الماضي قليلا ونعود إلى سنواتنا هذه وتحديدا بعد 2003 حيث انتشرت ظاهرة الألقاب العلمية والاجتماعية التي تمنح للأشخاص على خلفية تجميلية أو مجاملة أو نفاق اجتماعي لا علاقة لها بحقيقة اللقب وخلفيته، وربما كانت هذه الظاهرة محاولة لاستنساخ تسميات وتوصيفات من أيام العهد العثماني وما تلاه من ممالك وإمارات، وما تزال تستخدم على المستوى الرسمي ألقاب على شاكلة السعادة والنيافة والعطوفة والدولة والغبطة والبيك والباشا، ناهيك عن توصيفات التعظيم للملوك وحاشيتهم وأسرهم، وبالتزامن مع عودة هذه التوصيفات عموديا، وظهور طبقة الفاسدين سياسيا واجتماعيا وماليا، واستحواذها على مواقع ومناصب خطيرة في الدولة كواحدة من التداعيات والتغييرات الحادة التي أنتجتها الحروب وما حصل بعد نيسان 2003، خاصة مع اتساع مساحات الفساد ونشوء طبقات من حديثي النعمة والسحت الحرام التي تحولت هي الأخرى إلى ظاهرة، بل تبلورت منها طبقة جديدة لا تنتمي للطبقات الثلاث المعروفة وهي الفقيرة والمتوسطة والغنية، وربما بتعبير أدق أو توصيف يليق بها هو الطبقة الرثة والطفيلية المعدية وبائيا!

 

  دعونا الآن نبدأ بالشيخ وما يعني حقيقة وتزويرا، والشيخ كما يعرف الجميع أما انه من أسرة شاخت على عشيرة أو قبيلة، فأصبحت هذه التسمية تلاحق أبنائها، حتى جاء صدام فانشأ دائرة للعشائر والشيوخ في ديوان الرئاسة، وصنف الشيوخ إلى ثلاث درجات أ،ب،ج، وبموجب هذا التقسيم صنع صدام حسين ألاف الشيوخ الطبع أي الدمج أي المزورين، حتى شاع مصطلح جديد في تعريف الشيوخ وتفريقهم عن بعضهم وهو: ( شيوخ التسعين ) أي أولئك المستحدثين والدمج كما يقال للضباط على شاكلتهم ممن طافوا على سطح العراق الجديد، بالتأكيد لا علاقة لنا هنا بشيوخ الدين مع علمنا بظهور شيوخ دينيين على شاكلة شيوخ التسعين وما أكثرهم اليوم، ولا يحتاجون إلا لحفظ عدة نصوص قرآنية أو نبوية مع لحية بسيطة وعمامة سوداء أو خضراء أو بيضاء، وتبدأ المهمة، وحينها يصعب التفريق بين هؤلاء جميعا، فقد أصبحت مفردة الشيخ تطلق تحببا أو تجملا أو نفاقا وتدليسا، ولا تحتاج إلا إلى ملابس فخمة ويفضل أن تكون شعبية فلكلورية وسيارة فخمة وتفضل أن تكون بيك آب دبل قمرة، ومسبحة خشنة وكم موبايل ونفر يتابع حركات صاحب التوصيف، وجيب ليل وخذ كذب وثرم حكي للصبح!

 

  أما الدكتور وهذه الصفة التي أهينت وهي بريئة ممن يستخدمها ظلما وبهتانا، فبعد أن كانت صفة للطبيب أو درجة علمية في اختصاص أكاديمي معين، أصبحت هي الأخرى مثل سابقتها الشيخ تمنح لكل من يعرف كم مصطلح أجنبي أو ينظم كم جملة من المصطلحات السياسية ويخرج على مشاهدي التلفزة خبيرا استراتيجيا، أو يشتريها فخريا لأنه فلتة زمانه، وهكذا دواليك في الباشا التي كانت ذات يوم رتبة اعتبارية أيام مملكة بني عثمان وما تلاها من ممالك وإمارات، ثم بدأت بالتلاشي مع ظهور الجمهوريات، لكنها عادت ثانية في أيامنا المهجنة هذه لكي تقدم صفة تجميلية منافقة للعلاقات العامة!

 

  وفي هذا الطوفان من الألقاب والرتب العسكرية وحتى نعثر على أصحابها الحقيقيين، تتبلور طبقة رثة ربما لم يصفها كارل ماركس في طبقاته للمجتمع وبذلك ستكون الطبقة الرابعة!