قال تعالی فی كتابه العزیز(وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا) الحجرات:13.»

يشهد العالم العربي اختلافًا دقيقًا في الرؤى الثقافية بين جزئه الشرقي والغربي. هذا الاختلاف ليس مجرد تباين جغرافي، بل يعكس مقاربات متباينة تجاه التراث والحداثة...!!

اختلاف الثقافة لا يعني تفاضلًا بين الشعوب، بل هو مظهر من مظاهر تنوع التجربة الإنسانية. غير أنّ هذا الاختلاف كثيرًا ما يؤدي إلى سوء فهم متبادل حين تفسر السلوكيات وفق منظار ثقافي ضيق.

فمثلا:

الاول:-

فمثلاً نجد أنّ الزعماء الغربيين لا يجدون حرجًا في وضع ساق على ساق أثناء اللقاءات الرسمية، إذ يرون في ذلك مظهرًا من مظاهر الراحة والثقة بالنفس، بينما يُفسر هذا السلوك في الشرق، ولا سيما في العالم العربي والإسلامي، على أنه قلة احترام أو تجاوز للبروتوكول.

الثانی:-

في اليابان مثلًا يُعدّ الصمت أثناء الحديث احترامًا وتفكيرًا عميقًا، بينما قد يراه الغربيون برودًا أو عدم اهتمام.

الثالث:-

الضحك بصوت مرتفع يُعدّ في بعض الثقافات الإفريقية تعبيرًا عن الانفتاح، بينما يُعدّ في ثقافات أخرى قلة تهذيب

الرابع:-

تاريخنا العربي والإسلامي مليء بالأمثلة التي تُظهر ضعفنا في ممارسة ثقافة الاختلاف. فقد شهدنا منذ البدايات صراعات فكرية ومذهبية انطلقت من اختلافات في الرأي والاجتهاد، لكنها تحولت إلى مواجهات دامية بسبب غياب التسامح. الفتنة الكبرى التي انقسم فيها المسلمون بعد وفاة الرسول ﷺ كانت في جوهرها خلافًا سياسيًا، لكنها تحولت إلى جرح تاريخي ما زالت آثاره حاضرة حتى اليوم. كذلك الحال مع محنة خلق القرآن، التي كان من الممكن أن تبقى نقاشًا علميًا راقيًا بين علماء ومفكرين، لكنها تحولت إلى محاكمات واضطهادات. وتكررت الصراعات في مراحل لاحقة حين غلبت العصبيات القبلية والطائفية والمناطقية على روح العقل والحوار.

ولكي نعزز قبول الآخر ونعمق ثقافة الاختلاف لدى الأجيال الجديدة، علينا أن نعيد النظر في أساليب التنشئة والتربية والتعليم. يجب أن نغرس في المدارس والجامعات قيم التسامح والحوار، وأن نُعلّم أبناءنا أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وأن احترام التنوع لا يعني التفريط في الهوية. كما ينبغي أن تتبنى وسائل الإعلام والمناهج التربوية خطابًا يعزز التفكير النقدي ويكسر ثنائية "الصواب والخطأ" المطلقة.