قبل ما يقارب من ألف وخمسمائة عام ، وفي الجاهلية الأولى كان بعض من ( أجدادنا العظام ) يصنعون آلهتهم من التمر، وحينما يمسهم الجوع ( يتناوشون ) تلك الآلهة فيلتهمونها دونما خوف أو وجل، هؤلاء ( ألأجداد العظام ) كانوا أيضاً يدفنون فلذات أكبادهم من الإناث ( خشية إملاق ) أو عار ، وهم أنفسهم كانوا ( يستدعون الفحول ) لزوجاتهم في أول عمليات تحسين النسل في التاريخ، وبحسب الخارطة الجينية فان هذا النوع من البشر ما يزال يعيش ويتكاثر ويمارس هذه الثقافة وان اختلفت العناوين والتسميات، وقد أثبتت التجارب والأحداث عبر التاريخ بالمقارنة الحرفية الدقيقة بين ملتهمي آلهتهم قبل ألف وخمسمائة عام، وبين ملتهمي القوانين والدساتير اليوم هذا التطابق والاستمرارية، كما أكدت المقارنة السلوكية بين أولئك الذين كانوا يمارسون زواج المباضعة مع هؤلاء الذين يستقدمون الأجانب ويستقوون بهم على أبناء جلدتهم وبلدانهم!

 

    لا نريد ضرب الأمثلة بقدر ما نبغي التأكيد على إن تلك السلوكيات مستمرة رغم ما فعلته الأديان والحركات الإصلاحية خلال مئات السنين مع تلك المجموعات في الجاهلية الأولى وما تلاها من جاهليات حتى يومنا هذا، التي طالما يتكثف تمركزها في مفاصل القيادات السياسية لبلدان الشرق، والشرق الأوسط حصريا، حيث تتضح وبشكل جلي استمراريتها مع وجود تغييرات سطحية في العناوين والأسماء، بينما حافظت تلك المحركات الثقافية لذلك السلوك على نوعيتها وتطبيقاتها العملية بشكل ميداني، في معظم هذه الدول وخاصة تلك التي ابتلت بتنوع المكونات العرقية والدينية والمذهبية.

 

    بمراجعة سريعة لدساتير معظم دول الشرق الأوسط وخاصة الشمولية منها، يكتشف المرء بأنها دساتير مثالية تضم مواد وفصول الحريات وحقوق الإنسان وتداول السلطة والانتخابات ومعظم آليات النظم الديمقراطية العريقة، لكنها في واقع الحال بعيدة جدا عن تلك المفاهيم، فالعناوين هي ذاتها لكن التفاصيل متعارضة جدا، ولعلنا نتذكر الدستور العراقي المؤقت أو مشروع الدستور الدائم الذي تمت مناقشته أشهرا طويلة قبيل إسقاط نظام صدام حسين، والذي احتوى في حينها على مواد أساسية تتعلق بحرية التعبير والمظاهرات والانتخابات وتداول السلطة، وكذا الحال مع الدستور السوري والمصري واليمني والإيراني، حيث تركز جميعها على النظام الديمقراطي وعلى حرية الفرد وحقوق الإنسان، وهي بالتالي من أقسى دول العالم مع مواطنيها، بل ارتكبت أشنع الجرائم بحقهم، ولم تمنعها تلك الدساتير من اقتراف كوارث مروعة بحق دولها وشعوبها.

 

    واليوم وبعد عاصفة الربيع العربي الترابية التي أحرقت الأخضر واليابس تحت يافطة الديمقراطية وإسقاط النظم الشمولية، يغلب الطبع على التطبع وتعود تلك الثقافة لتحرك الطواقم التي ورثت كراسي الحكم وخزائن الأموال في الدول التي اجتاحتها العواصف الهوجاء، لتلتهم الدساتير والقوانين كما التهمت محركاتها الأساسية قبل مئات السنين آلهتها المصنوعة من التمر، بل تطابقت في معظم تلك السلوكيات، فبدلا من أن تستدعي فحولا لتحسين النسل استنجدت بجيوش أجنبية لمحاربة أهلها، وهي بالنتيجة تعطي نفس المعاني إن لم تك أقبح!

 

    ترى بعد أن حولوا الأديان إلى سلالم ومفاتيح، والدساتير إلى كراسي وسياط، أي ديمقراطية هي الحل مع هذه الكائنات!؟