عودنا رئيس الحكومة الاتحادية في بغداد على تصريحاته التي تتدفق منذ إجراء الاستفتاء في كوردستان وحتى تصريحاته الأخيرة التي تضمنت سيلا من الوعود التي لم يتحقق منها أي شيء، حيث أكد هذه المرة على إن الحوارات مستمرة رغم وجود من يبعدنا عن بعضنا، ومن هذا التصريح يفهم المرء خيوط اللعبة سواء بين التحالف الوطني أو في ما بين كتلة القانون وأجنحتها مع إقليم كوردستان.

    

    في معظم تصريحاته يحاول الانتقاص من الإقليم بل ويعمل على إقصائه وتشويه سمعته وتسطيح الرأي العام بمعلومات غير دقيقة ومشوشة، ولعل تصريحاته المكررة حول الحدود والمنافذ والمطارات والمعاشات ومنذ عدة أشهر خير دليل على عدم مصداقية ما يذهبون إليه في أنها غير خاضعة للسيادة الاتحادية، حيث يخفي من خلال هذا التكرار المستمر حقيقة أخرى تتقاطع تماما مع أطروحاته، وهي إن السيطرة على كل الحدود العراقية التركية والعراقية الإيرانية من جهة كوردستان لقوات حرس الحدود الاتحادية المشكلة منذ عام 2005م وهي تتبع وزارة الداخلية الاتحادية تجهيزا وتسليحا وأوامرا، أما موضوع مرتبات الموظفين وحجته بأنها يجب أن تخضع للتدقيق فإنها فرية أخرى إذا ما قارنا ما موجود في إقليم كوردستان والبالغ مليون وربع المليون موظف بضمنهم المتقاعدين ومنتسبي الرعاية الاجتماعية، مع الأجزاء الأخرى من العراق حيث يقترب عدد الموظفين من ثمانية ملايين موظف ما بين حقيقي وفضائي، ناهيك عن المخالفات الكبيرة في موضوع التعيينات الوهمية في المؤسسات العسكرية والأمنية وغيرها من المؤسسات الخاصة، ولم نسمع بان الحكومة الاتحادية طلبت من أي من محافظات العراق إخضاع موظفيها للتدقيق، علما بان الإقليم يستخدم وعبر شركات عالمية غاية في الدقة والتطور أسلوب البايومتري لتحديد وكشف أي خلل أو تجاوز أو تكرار هنا أو هناك.

 

    ويدرك العراقيون قبل الكوردستانيين مدى تطور مطار اربيل الدولي ودقة توقيتاته وخدماته ونظافته قياسا حتى بمطار بغداد الدولي وبشهادة سلطة الطيران الاتحادية والدولية، وهو يرتبط منذ افتتاحه مع سلطة الطيران الاتحادي، بل ولا تقلع منه أو تهبط فيه طائرة إلا بموافقة الحكومة الاتحادية، وما يفعله رئيس الحكومة الاتحادية مجرد قرار سياسي يتم استثماره دعاية انتخابية بعد أن نجحت وسائل الدعاية التي يسيطر عليها هو وحزبه من إشاعة الكراهية والحقد ضد الكورد وكوردستان، مما يزيد في شعبيته وصولا للولاية الثانية!

 

     أما تصريحه حول طموحات الكورد ومنها الاستقلال التي تطرق اليها حينما قال لصحيفة اليوم السابع المصرية:

(البعض لا يريد حل الأزمة ويصر على إقامة وطن قومي للأكراد وهذا حلم وطموح، لكننا نرفض ذلك بشكل كامل)

    يذكرنا هذا التصريح بتصريحات قادة العراق ممن سبقوه وآخرهم الرئيس الأسبق صدام حسين الذي كان يؤمن بحقوق الكورد ودولتهم لكنه يريدها فوق كوكب آخر(!)، وهكذا حال كل من تسلم مسؤولية هذه البلاد المنكوبة بحكامها، حيث اختارت تلك الحكومات الطريق الأكثر سهولة والأعظم همجية في التعاطي مع القضية الكوردية، وشهدنا جميعا نهاياتها المأساوية وما خلفته للعراق من دمار وتخلف وفقر وتدهور.

 

    إن هذه الحقوق والطموحات والآمال لا توقفها عمليات الحصار وحظر الطيران وقطع الموازنة والرواتب والتصريحات النارية واللئيمة، فقد جرب نظام البعث كل أسلحة الدمار الشامل، وكانت النتائج منذ 1958 وحتى يومنا هذا سقوط تلو سقوط، وفشل ذريع في كل مجالات الحياة، حتى غدت دولة العراق واحدة من افشل وافسد دول العالم، في الوقت الذي كان يفترض أن تكون عكس ذلك تماما بعد إسقاط نظام البعث.

 

    وأخيرا ربما يستطيع رئيس الحكومة الاتحادية أو أغلبيته في البرلمان أن تؤثر على خيارات شعب كوردستان حينما تتباهى حكومته بما تقدمه للمواطنين  وتقنعهم باتحاد اختياري حقيقي ومشاركة فعلية نقية نابعة من الإيمان بأننا شركاء اصلاء في هذا الوطن، لا أن يعمل من أجل إفراغ الإقليم من مفهوم الفيدرالية والعودة إلى الحكم المركزي الشمولية، وتهيئة الطريق لأغلبية تتمكن من تعديل الدستور وإلغاء الفيدرالية وتكريس مفاهيم أخرى تم إسقاطها بإسقاط نظام صدام حسين، وإزاء ذلك تمنينا لو قارن بين ما يفعله منذ اختار الحل العسكري واجتياح كركوك، وكيف تصرفت بريطانيا العظمى مع شعب وقيادة اسكتلندا حينما قررا الاستفتاء على الاستقلال، وأن لم تفعل تصريحاته الكثيفة  فعلتها في مسح الذاكرة نرجو أن يتذكر كيف تصرفت هذه الدولة العظمى مع جزء من شعبها!

 

    التأثير على الخيارات ليست بفرض الحصار وخنق الشعب وغلق المطارات وإيقاف التعامل مع البنوك وإشاعة الكراهية والتشكيك في كل أمر يتعلق بالإقليم ومحاولة غلق المنافذ لتجويع شعب من خمسة ملايين إنسان، واستقدام الأجانب والاستعانة بهم لإذلالهم!؟

 

    الم تفعل كل ذلك ( لشعبك العزيز في شمالك الحبيب! ) وما تزال!