إذا كانت القاعدة القانونية ترمي الى توفير الحماية لمصالح المجتمع وحقوق افراده كهدف اساس فان الوسائل والاليات التي يعتمد عليها المشرع لحمايتها من خلال القانون تختلف فيما بينها وفقاً لطبيعة هذه الحقوق والمصالح فقد تصبح العلانية وسيلة تسخر لحماية هذه المصالح بينما على العكس من ذلك قد تنفع السرية اسباغ الحماية لها مما يدعو المشرع الى التعويل عليها اذ ربما تتسبب العلانية بالضرر لصالح الحق في بعض الحالات الامر الذي يجد المشرع في الكتمان خير طريقة يحقق من خلالها الحفاظ على المصالح والحقوق.
لذلك يعد الالتزام بالمحافظة على الاسرار الوظيفية وعدم إفشائها من الواجبات المهمة الملقاة على عاتق الموظف والمكلف بخدمة عامة وبصرف النظر عن طبيعة عمل او اهمية اية وظيفة حكومية عامة فانها لا بد من احتوائها على الكثير من الوثائق والمعلومات والبيانات التي تنطوي على العديد من الاسرار المهمة حيث يطلع عليها الموظف بحكم عمله اليومي ولولا مركزه الوظيفي لما اتيحت له امكانية الاطلاع عليها ومعرفتها وسواء اكانت تلك الاسرار على الصعيد الطابع الشخصي اي المتصلة بافراد المجتمع الذين لديهم مصالح في التعامل مع شاغل الوظيفة مثل الاسرار المتعلقة بالوضع المالي او الدعاوى او الضمان الاجتماعي ونحو ذلك ام كانت تلك الاسرار الوظيفية راجعة - وهو الغالب - الى الصعيد العام او العملي وهي الاسرار ذات العلاقة بنشاط المؤسسات الحكومية والجهات الادارية التي تأخذ المصلحة العامة الحظ الأوفر منها كونها ترجع بالنفع على المجتمع بأسره مثل الأسرار المتعلقة بالأنشطة الادارية او المالية او الأمنية.
إن الالتزام بكتمان الأسرار الوظيفية بدا واجباً اخلاقياً اقتضته مبادئ الشرف والامانة قبل كل شيء فالكتمان يكون فضيلة اذا حصل في امور تتطلب عدم إفشائها لان المصلحة المعتبرة تستوجب عدم إظهارها للغير لما قد يترتب على إفشاء هذه الاسرار من الضرار بمصالح الدولة والافراد فمن اخطر الامور على الدولة افشاء أسرارها، وقد تكون الاضرار الناجمة عن كشف الاسرار الوظيفية افدح من تلك التي تترتب على افشاء الاسرار الشخصية بسبب جسامتها واتساع نطاقها ومن هنا حرصت الكثير من الدول في تشريعاتها الوضعية على تجريم افشاء الأسرار الوظيفية ضمن النص العام الوارد في قانون العقوبات وكذلك التشديد على وجوب كتمانها في القوانين والتعليمات الخاصة بالوظيفة في الدول العربية والاجنبية ورصدت لهذا السلوك الجزاءات المناسبة حسب اهمية السر الذي يتم إفشاؤه. اذ يعد فعل الافشاء سلوكًا مجرماً بموجب احكام قانون العقوبات حيث ان الالزام القانوني بحفظ الأسرار الوظيفية يقع على عاتق الموظف او المكلف بخدمة عامة فمن الواجب ان يحافظ هؤلاء على جميع الأسرار التي يطلعون عليها سواء أكانت موثقة بشكل تحريري أم بشكل الكتروني بغية ضمان نزاهة العمل الوظيفي وسيره بشكل سليم ومنع الاضرار بالمصالح الاجتماعية فالموظف الذي يدلي للصحافة بمعلومات او وثائق غير مصرح بنشرها او في حالة قيامه الاحتفاظ بأصول بعض الأوراق الرسمية وعدم مراعاة مصلحة الدولة والمواطن معاً يعد مخالفاً لواجب كتمان الأسرار الوظيفية إذ أن المشرع الجنائي يستأثر باهتمامه في النصوص الجزائية أمرين: الاول يتمثل في المحافظة على سلامة كيان الدولة والمجتمع والثاني يتمثل في عدم التفريط باصل حقوق الافراد وحرياتهم بحيث تكون هناك مواءمة بين هذين الامرين ومن ثم تتطرق هذه الدراسة الى بيان مفهوم الاسرار الوظيفية وكذلك يسأل الملتزم بكتمان الاسرار انضباطياً لكونه قد خالف احدى واجباته الوظيفية كما يمكن ان تلحقه المسؤولية المدنية وذلك بتعويض ما تسبب به من الضرر المادي او المعنوي الذي تطالب به دائرته الرسمية بعد اللجوء للمحاكم اذا ترتب على افشاء الاسرار ضرر ما مع بيان نطاق واجب حفظ اسرار الوظيفة ومداه لان تقرير الالتزام بعد افشاء تلك الاسرار ليس بقاعدة مطلقة فهناك حالات استثنائية يباح فيها الافشاء لمسوغات تقتضيها المصلحة الاجتماعية.