للأسف العديد من كتابنا، لا يدركون أنهم، بالأساليب التي يتناولون فيها ماضينا، ليس فقط يساهمون في التحريفات التي جرت في تاريخ أمتنا، بل يشوهون الصفحات القيمة منها. ولربما هي ناتجة إما لعدم دراية أو لظروف شخصية أو لمنافع ذاتية، يضطرون فيها إلى خلق طوطم على حساب جدلية التاريخ، أو لضحالة بتاريخ القبائل العربية، المرافقة للغزوات الإسلامية، أو الحديثة الظهور في كردستان والتي هاجرت بعد حروبهم ضد عبد العزيز بن سعود المتصاعد نفوذه بدعم إنكليزي، وبسند من مؤسس الحركة الوهابية التكفيرية محمد بن عبدالوهاب، ومن بين هذه العشائر (الطي والشمر والعبيدات وفروعهم) والتي كانت تجول في شمال شبه الجزيرة العربية ومنطقة (حائل) كرحل أو نصف حضر (نسردها ليس طعنا في مكانة هذه العشائر وتاريخهم المشرف في صراعهم مع أل السعود، وهو تاريخ يطعن في تجاوزات أل السعود وعشيرته وتحالفه الوهابي الإنكليزي وأساليب التعامل مع هذه العشائر العربية الأصيلة واحتلال مناطقهم وتهجيرهم) وثارت بعضها ضد أل السعود بعدما خسر الهاشميون وأل الرشيد حكم الجزيرة العربية، فخسروا منطقتهم حائل، وهاجروا نحو الشمال، إلى أن بلغوا مشارف كردستان الجنوبية، وعلى مراحل زمنية متقاربة في بدايات القرن الماضي، وبادية الشام والفرات الأوسط والأنبار وحتى جنوب شنكال، ليمتدوا فيما بعد نحو الجزيرة الشمالية وحتى منطقة الباب وجرابلس، والرقة، والحسكة ومناطق قامشلو الجنوبية وتل كوجر، بدعم عسكري واقتصادي من الدولة العثمانية المعادية حينها للإنكليز ولآل السعود، وحاولت تسكينهم بفرمانات في مراكز حضرية، والتي لم يتم إلا بعد عقد من الاحتلال الفرنسي لسوريا، والبريطاني للعراق.
وعلى أثر تمددهم شمالا في مناطق كردستان ومن ضمنها الجزيرة وبدعم عثماني وفيما بعد من قبل السلطات العروبية أثناء الاحتلال الفرنسي، جرت معارك أو صراعات بينهم وبين القبائل الكردية في معظم أطراف الجزيرة وشرقي وجنوب شرقي عفرين، كحروب عشائر الملية والبرازية والكوجر مع القبائل العربية القادمة، وكذلك العشائر الحاضرة في منطقة الآشيتية، وهذه المعارك سبقت انتقال البعض من الكرد بين طرفي الحدود المصطنعة حديثا بين تركيا وسوريا، وقبل عقود من هجرة البعض من الزعماء الكرد، وتجمع بعضهم بشكل مؤقت في قرية دوكر حاضرة أل عباس أمثال الشيخ عبدالرحيم بيران الأخ الأصغر للشيخ سعيد بيران، وإحسان نوري باشا، وأميني بريخاني، وحجي موسى بك، وحاجو أغا، والدكتور أحمد صبري، وحمزة رسول وغيرهم، وقبل مؤتمر خويبون الأول، أي، ما نحن بصدده، هي أن العشائر الكردية في جنوب غربي كردستان قبل مرحلة الفصل بين سوريا وتركيا، كانوا أسياد جغرافيتهم، وهذه تفند جملة وتفصيلا مصداقية الرواية التي روجت حول تقديم قبائل الأشتية (الخوة) للقبائل العربية المهاجرة حديثا إلى المنطقة، كما ذكرنا.
والأغرب، كلما ملئت فجوة من التاريخ المحرف، وتم تعرية التشوهات الممنهجة، تقوم القوى المترصدة بالكرد بطرح إشكالية أخرى للطعن في التاريخ، وبأساليب مخادعة كثيرا ما يسقط فيها البعض من كتابنا الكرد. وكنا قد نوهنا إليها مختصرا، وفي مقالات متعددة. فمنذ بداية الصراع السوري، تتوسع حلقة الادعاء بالوطنية من قبل العروبيين حصراً، وذلك مع صعود القضية الكردية في المحافل الدولية، وكثفت وبشكل مخطط، ضمن حوارات مثقفيهم وسياسييهم مع الكرد وعقدت لها مؤتمرات وسيمينارات ثقافية تاريخية، حتى أن العديد من العروبيين الذين كانوا في عداوة مباشرة، بدأوا يدعون عن تعاطفهم مع قضيتنا القومية، بل وفي هذه المرحلة بالذات بدأنا نسمع تصريحات التأييد من بعضهم، للحصول على حقوقنا كاملة في المناطق ذات الغالبية الديمغرافية الكردية، وما يعكر هذه الطفرة الغريبة، أو الموقف السياسي، أنهم نادرا ما ينسون إرفاقها بكلمة و(لكن) المحمولة على عتباتها ما يطيب لهم من الانتقادات والتهجم والتخوين، والموبقات بمجتمعنا، وقد ابدع شريحة من مسؤولي المعارضة العربية السورية، التكفيرية أو القومية، في طرح الألفاظ النابية بحق الشعب الكردي، وأخر هذه الادعاءات ظهرت قبل أسابيع، من أحد المعروفين في إعلام المعارضة، ومن على منبر كردي، متباهياً بتأييده لحقوق الكرد، في المناطق ذات الغالبية الكردية في الوقت الحاضر، دون اعتبار لمسيرة التعريب والتهجير القسري، كما وأرفقها برفض أن يكون للكرد دور في مدن هي من عمق كردستان، كالباب والمنبج وجرابلس، وأتهم أطراف كردية، وخاصة قوات الـ ي ب ك والإدارة الذاتية، بأنهم يقومون بتكريد المناطق العربية، ويحتلون مدن عربية كالرقة وتل حميس وغيرها، ويهجرون العرب من مناطقهم، وتناسى أن أكثر من مليوني عربي الأن وقبل الثورة السورية يتجولون ضمن جغرافية كردستان، وأن نفس القوى الكردية المتهمة تحمي 42 مستعمرة عربية بعثية والتي أصبحت الأن أكثر من 150 مستعمرة ومستوطنة، ونحن هنا لا نتحدث عن المليون مهجر من الداخل السوري، الذين سهلت لهم الإدارة الذاتية، أكثر مما سهلت لأبناء المنطقة من الكرد، كل ظروف الإقامة والعيش السليم في المدن الكردية، ليس فقط لم تتعرض لهم يوما هذه القوات الكردية، بل حمتهم وأمنت لهم كل ما يتمكنون منه، من الأمان إلى فتح كل المجالات، الاقتصادية والسكنية، وغيرها.
هذا التهجم يأخذ مداه نتيجة للصراع الكردي -الكردي، ولإلتهاء إعلام حراكنا بخلافاته الداخلية. ومن المعروف أن شريحة كردية ثقافية-سياسية، هي أول من نشرت ادعاءات تهجير العرب بوعي أو بدونه، إن كانت تحت ضغط إملاءات خارجية أو لغايات حزبية. والبعض الأخر من كتابنا السياسيين كانوا البادئين بإسقاط الخلفية التاريخية لكردستانية منبج والباب وجرابلس، وهم من قدموا بحوثا جغرافية تاريخية ضحلة مطعونة فيها، مجزأين جغرافية جنوب غربي كردستان إلى ثلاث أقسام منفصلة ديمغرافيا، غير مسنودة على الماضي وبدون النظر إلى مراحل التعريب والتهجير القسري، وتلقفتها القوى المتربصة بنا، فبنوا عليها نظريتهم حول عروبة الجزيرة، وحداثة الكرد في جنوب غربي كردستان.
تناسى كتابنا قبل الأعداء، إنه لو كانت القوات الكردية تقوم بتكريد أو تهجير العشائر العربية، لهجرت عشائر المغمورين العرب الذين يحتلون منذ أكثر من خمسة عقود آلاف الهكتارات من أخصب الأراضي الزراعية في جنوب غربي كردستان من ديركا حمكو حتى منطقة عفرين، ونحن هنا لا نتحدث عن الاحتلال الغاشم لمناطق عفرين والباب وجرابلس من قبل فصائل المعارضة العروبية ومرتزقة أردوغان التكفيريين، فلو كانت هذه المدن والمناطق ذات جغرافية عربية وليست كردستانية، لما باعتها المعارضة السورية بهذه السهولة إلى تركيا تحت غطاء العلاقات اللوجستية مع أردوغان، وبحجة الوقوف معهم ضد النظام، أملاً تحقيق حلمهم الحصول على السلطة أو الاشتراك فيها.
والأغرب أن البعض من باحثينا وكتابنا الكرد السياسيين، وعلى خلفية خلافاتهم الداخلية، يتناسون أن جغرافية سوريا الحالية المسماة بالعربية، لم تكن تشمل الثلث الكردي والكردستاني ديمغرافية وجغرافية التي ضمت فيما بعد لتتشكل سوريا الحالية. فالمتكونة بناء على معاهدتي أنقرة 1 و2 ولوزان الثانية عام 1923م، كانت أقل من نصف مساحة ما هي عليها الأن...
يتبع...