تتميز العلاقات الدبلوماسية بين الدول و القوى السياسية و الاقتصادية و المجتمعات البشرية بشكل أعم , بأنها تمر بمرحلة المد و الجزر تبعاً لمصالحها الآنية او البعيدة المدى , فتحسنها لا تعني الاستمرار على ما هو عليه و ترديها لا تشير بطولها ،أي انها تتأرجح وفقاً لمواقفها من بعض القضايا ، و لا تكاد تتفق هذه المجموعات على موضوع معين سوى تأمين اكبر قدر من المصالح المختلفة ،و تحاول ان تتحسن علاقاتها مع جميع الاطراف ، و لكنها تتحفظ أمام من يقف حجر عثرة في طريقها مع التباين في طريقة تبادل العلاقات و مستواها , و ان الملفت للنظر بأن الحركة الدبلوماسية بين الدول تنشط في اوقات معينة ، خاصة عندما تشعر الاطراف بوجود قضية ساخنة تشترك فيها تلك الدول او بالاحرى توقضها هاجس العدو المشترك من سباتها ، و تضع كل خلافاتها الجوهرية الاستراتيجية جانباً ، لتبدأ عملها و ترص صفوفها ضد العدو المشترك ، و تقترب و تبدأ الزيارات المتبادلة من أعلى المستويات الى ادناه ، و تبحث عن الحلول بعد التشخيص اللازم للملف .
ايران و تركيا دولتان جارتان مختلفتين في أغلبها منها النظام السياسي ، و الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و الثقافي ، و المذهبي ... الخ , تتميز علاقاتهما الدبلوماسية بعدم الاستقرار بين التحسن و التردي لوجود المشتركات العديدة بينهما رغم التناقض الايديولوجي و الموقف الدولي تجاههما ، و من هذه المشتركات الحدود الطويلة ، و وجود التركمان في ايران، و العلويين الشيعة في تركيا ، و المصالح الاقتصادية ، و لكن المشترك الأهم بينهما هي القضية الكوردية العادلة ، و مطالبتهم المستمرة بحقوقهم المشروعة طيلة القرون الماضية ، انه الموضوع الذي يجمعهم على الطاولة المستديرة للحوار ، و رسم المؤامرات و وضع الخطط لإبقاء هذا الشعب أسيراً لهم ، و خاصة عندما يقترب الكورد من بناء كيان سياسي لهم لظنهم الخاطئ بأن هذا الكيان سيكون عاملاً يهدد كيانهم و دولهم ، و لكن الكوردستانيين لا يشكلون خطراً على احد و ان محاولاتهم في تأسيس دولة مستقلة تأتي من ايمانهم بأن وجود الدولة الكوردستانية يزيد من مسؤوليتهم في الدفاع عن السلم و الامن العالمي ،كما سبق و يساهمون بشكل افضل في بناء الانسانية ، و التعايش السلمي بين جميع الاديان و القوميات ...
يلاحظ في الاونة الاخيرة ، و بعد قرار القيادة السياسية الكوردستانية بإجراء الاستفتاء الشعبي في 25/9/2017 ، و رغم الضغوطات الدولية بتأجيلها او إلغاءها ، و لكنها لم تفلح في الوصول الى مبتغاها ، يلاحظ حركة دبلوماسية كثيفة بين الدول الاقليمية ، و خاصة تركيا و ايران ، و على كافة المستويات ، و ان زيارة رئيس اركان الجيش الايراني (محمد حسين باقري) قبل ايام الى تركيا ، و لقاءه بالجنرال (خلوص آكار) رئيس اركان الجيش التركي تأتي في هذا السياق ، لأن الملف الساخن بينهما هو المثلث الحساس (المثلث الحدودي بين ايران و تركيا و العراق) ذات الاغلبية الكوردية ، و من نتائج هذه الزيارة الاتفاق على بناء جدار بطول 65 كم على الحدود العراقية ، و اقامة تحالف اقليمي يضم كل من ايران و تركيا و روسيا و العراق ، و وضحا بأن الاحزاب الكوردستانية تشكل تهديداً لأمنهما القومي ، و بأختصار ان كل مقرراتها تصب في ضرر الشعب الكوردي ، و ان بوادر الاتفاق تظهر يوماً بعد آخر حيث نشاهد القصف الشبه اليومي لدولة ايران و تركيا للمناطق الحدودية الآهلة بالسكان المدنيين ، و تهديداتهم المبطنة بغلق الحدود و فرض الحصار الاقتصادي ، و عزل الاقليم دولياً ، و ان موقف العراق (الدولة بالاسم) لا تقل عن جيرانها مع الفارق في الاوضاع الداخلية المتردية و الخارجي الاسوء منه ،و ان مواقف دول الجوار الاقليمي ليس بجديد بل هي سياسة و استراتيجية بعيدة المدى لديهم ، و لكنها دون جدوى .
و لكن المؤلم و الذي يندل عرق الجين ، هو موقف بعض القوى السياسية و الجماهير المنظوية تحت رايتها في داخل الاقليم الكوردستاني الرافض لأجراء الأستفتاء بمبررات واهية ، و ترفع صوتها دون خجل بل تحاول عرض فكرتها لإقناع غيرهم و هي خطوة لتمزيق الوحدة الكوردستانية و إضعاف قرارها ، و تنفيذ اجندات الدول المعادية للدولة الكوردستانية ، و انها طعنة من الخلف في الجهود ، و لكنها تزيد من اندفاع الشعب للتوجه نحو المراكز الانتخابية لتدلي بصوتها لصالح الاستفتاء و تقول (نعم) من اجل الاستقلال ، و لا تأتي إلا بالسؤ عليهم لأن المكر السيئ يحيق بأهله ، و أن القارئ للتاريخ الكوردستاني يعلم بأن موقف هؤلاء ليس بجديد و انما يوجد في كل المراحل مثل هؤلاء الذين يقيمون في الخندق المقابل و يسبحون عكس التيار العام ، بل انه داء نعاني منها يجب الاقرار بها ، و يزيدنا الاصرار و العزيمة ، لأن الاختلاف في الرأي لا يعني الخلاف و لكنه لا خلاف على المواضيع القومية و المصالح العليا للبلاد ، و يوماً بعد يوم نقترب من القرار المصيري الذي ينتظره الملايين و العالم اجمع ، بأنها تعد التجربة الديمقراطية الفتية الاولى في المنطقة ، و انها خروج عن المألوف في تأسيس الكيانات السياسية في منطقتنا .