الرؤى السياسية والإقتصادية التي تترك الإنحياز السياسي وتنظر الى الصورة الواقعية لإقليم كوردستان، وتسلّم بالحقائق الموجودة على الأرض، وترتقي الى مستوى التنظير الدقيق للواقع الكوردستاني وتجربة بناء البنى التحتية والتقدم الذي حصل في مختلف المجالات، تتناقض مع وجهات النظر السياسية التي تقتطع وتشتت حقائق تجربة الإقليم منذ 1992، والتي تعتمد على معادلات سياسية بائدة عفا عليها الزمن، من خلال القفز على الإنجازات التي تحققت، وتجاهل ماهية البنى التحتية التي ورثتها حكومة الإقليم في العام 1991، والتحديات التي كانت تواجهها وإمكانياتها المتواضعة التي كانت تعمل بها الى 2003. لأن التطور والانجاز وألإعمار شمل كافة القطاعات الخدمية الصحية والتربوية والتعليمية وإمتد الى القطاعات الصناعية والتجارية والنقل والمواصلات والسياحة.
بعد إقرار الدستور العراقي تطورّ قطاع النفط والغاز، ووصل الى مراحل مهمة ومتقدمة، وفي فترة زمنية قصيرة، لم تخلو من الصعاب والتحديات، تحققت إنجازات مهمة حددت أُطر واقعية لعلاقات إقليمية متوازنة مع دول الجوار، ووسعت العلاقات التجارية وزادت عدد الشركات الدولية العاملة في الإقليم، وتم الإعلان عن الاحتياطات النفطية التي تقدر ب (45) بليون برميل من النفط ، والمخزون الاستراتيجي من الغاز الطبيعي ب (200) تريليون متر مكعب.
النفط والغاز إستحوذا على إهتمام حكومة الإقليم بوصفهما موردان أساسيان للبناء والإعمار، وطرحا معهما تساؤلات عن المخاوف والمصالح والخيارات وشروط إنتاجهما وطرق تصديرهما، وعندما تم التماطل والتسويف في إنجاز قانون النفط والغاز في العراق، وتحولت القضية النفطية إلى معركة وإشكالات سياسية، فكر نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم الإقليم، بالسعي الى تعزيز قدرات الإقليم الإسترتيجية النفطية بطريقة هادئة فيها الكثير من الإستراتيجية والاستقلالية، وفتح الباب على مصراعيه أمام شركات النفط والغاز العالمية كروزنفت وتوتال وشيفرون وإكسون موبيل، إضافة الى شركات بريطانية وتركية وصينية ونرويجية وعربية، للإستثمار وتم التوقيع على عقود قانونية ودستورية تؤدي إلى تحقيق جملة من الفوائد الإستراتيجية.
في العام الماضي، إعتماداً على البروتوكولات التي وقعت مع السيد نيجيرفان بارزاني خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في سانت بطرسبرغ، إتفقت حكومة الإقليم مع شركة روزنفت الروسية، بخصوص تنفيذ مشاريع بترولية ضخمة، تفوق قيمتها 4 بلايين دولار، منها تشييد خط لأنابيب الغاز داخل الإقليم وخارجه، والتصدير إلى تركيا والدول الأوروبية ضمن الاتفاق الذي وقع عام 2013 بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة التركية بطاقة 30 بليون متر مكعب سنوياً، وإتفاقاً ثانياً لإنتاج الغاز، وآخر للاستكشاف والإنتاج النفطي في خمس مناطق متفرقة. هذه الإتفاقات تشكل مكاسب كبيرة ومهمة للإقليم لأنها تعطي الأولوية لتوزيع الغاز محلياً ولتزويد محطات الكهرباء والصناعات بالوقود اللازم، كما تعتبر خطوة مهمة في التواجد البترولي والسياسي الروسي في المنطقة.
شركة دانة غاز الإماراتية، التي تستثمر في حقول الغاز الطبيعي في الإقليم منذ العام 2007، وتستخرج وتنقل الغاز الطبيعي الى محطات توليد الكهرباء في أربيل والسليمانية، أعلنت قبل أيام عن زيادة كبيرة في إنتاج الغاز، وقالت، أنها ستقوم بتوفير كميات إضافية من الغاز بهدف تعزيز عمليات توليد الكهرباء لتلبية احتياجات الإقليم الملحة، من خلال زيادة الإنتاج اليومي للغاز الطبيعي من حقل خورمور بما يقارب 25 بالمئة في وقت لاحق من العام الحالي. كما قالت، انها تتطلع إلى زيادة إنتاجها 125 % في غضون العامين القادمين.
من جهة أخرى تعتبر شركات الغاز الأوروبية، إقليم كوردستان مصدراً مهماً لتوريد الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، خاصة وأن إستخراج و تصدير غاز الإقليم مثل نفطه لا يحتاج سوى لتكلفة قليلة جداً، وذلك بسبب نوعيته الجيدة والموقع الجغرافي للمنطقة. وهذا يعني أن إستراتيجية الطاقة التي تتبعها حكومة إقليم كوردستان، إستراتيجية ناجحة من كافة الوجوه، ومتطابقة مع مواد الدستور العراقي، وتقوم على أساس خطة شاملة تهدف إلى زيادة الإنتاج وتكثيف إمدادات النفط والغاز للتصدير الى الخارج، وتأمين الكميات التي يحتاجهما الإقليم لتوليد الطاقة قليلة التكلفة في غضون الأعوام القادمة.