الإنسان ليس إبن البيئة التي يتخيلها
الإنسان إبن البيئة التي يعيشها
بما إنني صاحب خيال جامح فقد فشلت في التماهي مع بيئتي التي أعيشها ومازلت أتخيل السياسيين شرفاء، والدينيين أتقياء، والناس العاديين طيبين للغاية. إذن أنا رجل خيالي فاشل لاقيمة لوجودي في بلد لايمكن الوثوق بمستقبله لأن مواطنيه يفكرون بمايملأ الجيوب، ويغطي العيوب، لابمايصلح الأوضاع، ويواجه محنة الفساد، ويمنع الفاسدين المفسدين أن يستغلوا مناصبهم، فيمسكوا بزمام الأمور، ويسرقوا مايشاؤن من خيرات هذا البلد المغلوب على أمره. حيث سياسيوه عملاء للخارج وللجوار العربي والإقليمي. شعورك الصادم وأنت ترى العراقي يهان من دول تحصل على نفطه وخيراته وملياراته، ويقوم سياسيوه السفلة بتحويل الأموال الى تلك البلدان ليستثمروها، أو يضعوها في بنوك هناك، أو يشترون الشقق الفارهة والبيوت، ويؤسسون الشركات، وينثرون الدولارات على رؤوس الغانيات في الحانات والملاه وبيوت الدعارة.
البيئة المعاشة هي التي تقرر مسيرتك النهائية وطريقة التفكير لديك وليس خيالاتك، فأنت لاتستطيع ان تسحب تلك الخيالات على الواقع، وهل من المعقول أن تتخيل برج إيفل الشهير الذي يتيح لفرنسا الحصول على عشرات ملايين الدولارات من السياح سنويا مكان برج بغداد، او برج صدام الذي يتنازع العراقيون على تسميته. فمحبو صدام مايزالون يسمونه بهذا الإسم، بينما كارهوه يقولون، إنه برج بغداد، ولو إستطاعوا لدمروه، والحقيقة إنه برج (مالوهش لزمه) كما يقول المصريون، بينما يظل برج المهندس (إيفل) شاخصا ،وننسى كل الزعامات والقيادات الفرنسية، ونسميه بإسم المهندس الذي أبدعه.
وهل تستطيع سحب خيالاتك الى قريتك، فتتخيلها مثل قرى جزر الكناري، أو المدن الجميلة على سواحل الكاريبي، أو أن تراها مثل جزر هاواي، وهي التي لم تر من الخير مايشفي الصدور. فدروبها تملؤها الأطيان، وبيوتها بالية، ولاتصلها المياه ولا الكهرباء بشكل منتظم؟ أمر ليس بإستطاعتك حتى لو ملكت خيالات كل الشعراء الرومانسيين والحالمين، وحتى المجانين منهم.
الواقع هو أن تعيش في بيئتك، وتحاول أن تصنع شيئا مختلفا، لكنك لن تستطيع الإستمرار في تخيل ماسيصيبك لاحقا بنوع من الجنون، أو مايشعرك بالفشل الكامل.فالعمل هنا وحده الكفيل بالتغيير، وماعداه هراء لاطائل منه، وإن فشلت في بلدك فليس الخيال من يساعدك في النجاح، ولكن لك أن تتخيل السبل الكفيلة بالتغيير هنا لامن هناك، أي أن تكون المواد الأولية محلية ليكون المنتج محليا أيضا.
من يسرق بلده، ويخون شعبه، ويتسلط على مستضعفيه، ويحول الأموال الى الخارج لينتفع بها أناس دول أخرى هو إبن كلب.