يُعدّ الفقر من أخطر المشاكل الإجتماعية التي تواجه الحكومات في مختلف أنحاء العالم ويمكن اعتباره أفضل معيار لتقييم أداء تلك الحكومات, ولقد أولت المنظمات الأممية أهمية كبرى لدراسة الفقر وأسبابه ووضع السبل العلمية الصحيحة لتقليله وقد وضع علماء الاقتصاد مصطلح (خط الفقر) الذي يمثل أدنى مستوى من الدخل يحتاجه المرء أو الأسرة حتى يكون بالإمكان توفير مستوى معيشة ملائم في بلدٍ ما ,وكذلك يعبّر عنه بالعجز عن توفير تكاليف المتطلبات الدنيا الضرورية من حيث المأكل والملبس والرعاية الصحية والمسكن, ووصفوا من يعيش تحت خط الفقر بأنهم يعيشون في حالة فقر مدقع, واهتم البنك الدولي باعتباره أحد المنظمات الأممية العريقة بموضوع خط الفقر وحدد له سقفاً عالمياً في آخر تحديث في عام 2015 وهو (1.99) دولار يومياً في حين كان في عام 1990 هو (1.25) دولاريومياً, وتم اعتبار كل انسان يستحصل مورداً يومياً أقل من هذا السقف يعتبر أنه يعيش في حالة الفقر المدقع.
على الرغم ان هذا السقف تم وضعه عالمياً بعد دراسات علمية مكثفة لكنني أرى انه لايصلح لتطبيقه على دول كثيرة ومنها دول العالم الثالث ومعظم الدول العربية على وجه الخصوص لأن ظروف المواطن فيها وحقوقه تختلف عن المواطن الذي يعيش في الدول الأوروبية مثلاً حيث أن الأخير تتوفر له أمور كثيرة وتعتبر من المسلمات مثل السكن والتأمين الصحي والخدمات العامة وتوفر فرص العمل بشكل كبير بينما المواطن العربي أو المواطن الذي يعيش في دول العالم الثالث يعاني من عدم توفر هذه الأمور الرئيسية للعيش بسبب سوء الأداء الحكومي لهذه الدول, لذا فأن هذا المعيار الدولي لايمكن اعتباره صحيحاً في هذه الدول ولو أخذنا العراق مثلاً واخذنا معدلات الأسعار المرتفعة في مختلف نواحي الحياة مثل السكن وأسعار الخدمات الصحية وأسعار الخدمات العامة كالكهرباء والماء والنقل وغيرها وأسعار المواد الغذائية الرئيسية ناهيك عن النقص الكبير في الخدمات الرئيسية العامة التي تزيد من ثقل المعاناة على الفقير, سنجد بأن هذا السقف الذي تم وضعه من قبل البنك الدولي بعيداً عن الحقيقة بشكل كبير ولو أردنا تطبيقه في العراق لوجدنا بأنه لايوجد مواطن عراقي واحد يعيش تحت خط الفقر, وما أريد قوله بأنه يتوجب على كل حكومة أن تحدد خط فقر خاص بها يتم وضعه بشكل علمي صحيح بعد دراسة أسعار السوق والمتغيرات الرئيسية التي لها مساس مباشر في معيشة المواطن البسيط وبعد ذلك على الوزارات المختصة أن تقوم بجمع البيانات الدقيقة لمعرفة الأعداد الحقيقية من المواطنين الذين يعيشون تحت هذا الخط وتقديمها الى الحكومة لغرض دراستها ووضع الخطط السليمة واتخاذ الإجراءات السريعة لتقليل هذه المعدلات, وفي بلدنا ومع الأسف نتيجة التناحر السياسي بين الكتل المتنازعة على السلطة والتي وضعت في أجنداتها مصالحها الشخصية والحزبية والكتلوية ولم تترك حيزاً في هذه الأجندات للمواطن الفقير ونتيجة غياب التعداد العام للسكان نجد غياب الأرقام الحقيقة لعدد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر وما يطلق من تصريحات من هنا وهناك لاتعد أكثر من أرقام تخمينية لا يمكن الاعتماد عليها بشكل دقيق فمنهم من يقول بان النسبة قد تعدّت 30 % ومنهم من يقول انه يوجد أكثر من ستة ملايين مواطن عراقي يعيش تحت خط الفقر ولكن الحقيقة التي نلمسها من الواقع الذي نعيشه ومن المعطيات الواضحة للعيان بأن النسبة تتعدى ذلك بكثير ولانتردد بأن نقول بأنها تصل الى أكثر من 50% , وهذا يجب أن يقلق الحكومة والبرلمان وجميع السياسيين ويحرّك قليلاً من ضمائرهم بأن يتحركوا كلٌ من موقعه وتتضافر جهودهم للعمل على اتخاذ الإجراءات الكفيلة برفع هذا الحيف الكبير عن المواطن والعمل بكل السبل المتاحة لتوفير ولو أدنى مستوى من المعيشة الكريمة للمواطن العراقي الذي عانى الويلات من سوء أداء الحكومات المتعاقبة ولم يجني منهم غير الوعود الكاذبة وهو يعيش تحت أقسى الظروف ويتفرج على خيرات البلد تسرق من قبل الفاسدين بلا حساب ولا عقاب.