الذكريات التي تظل خالدة في القلوب والضمائر والتي لاتفارقنا في الحل والترحال حية وكثيرة، ولكن المرة التي جرحنا فيها ونسكب عليها الدموع ونتحسر لها وتحرقنا كل يوم وكل ساعة، تبقى حية أكثر من غيرها. والجرائم المرتكبة بحقنا هى الأخرى كثيرة وكبيرة، وخاصة التي أراد القائمون عليها بكل وحشية وقساوة أن يبيدونا ويسكتوا صوتنا التحرري ويخمدوا نيران ثوراتنا ووأد قضايانا القومية العادلة. والأنفال بمراحلها المأساوية الثمانية وجريمة حلبجة وقتل البارزانيين وقتل الكورد الفيليين ومصادرة أموالهم وتهجيرهم وحملات التعريب والتهجير والتسفير والقتل والسجن وهدم وحرق القرى، جراح كشفت النقاب عن وحشية وشوفينية منفذيها وسوء أدبهم وضحالة أخلاقهم، كما عرت الأنظمة التي تتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان لأنها ظلت صامتة تجاه جرائم نفذت في وضح النهار دون وجل بحق الكورد الأبرياء كشعب وقومية ثانية في العراق. كما أماطت اللثام عن الوجوه الكالحة لبعض السياسيين والمثقفين العرب من كتاب وصحفيين وشعراء وفنانين وهم يمجدون ويدافعون عن فارسهم وقائدهم الضرورة السفاح صدام حسين.
نتذكر بألم عميق كل عام في يوم (31/7)، جريمة قتل ثمانية ألاف من البارزانيين الآمنين من قبل حكومة البعث القمعية التي حاولت تسييس الإسلام وأسلمة السياسة من خلال إستغلال مفردة الأنفال، المفردة التي وظفت في الارض لمآرب سيئة وخبيثة وحروب إبادة.
أما الحجم الكبير والمروع للجريمة التي نفذت في 31/7/1983، وما جاءت بعدها من جرائم وويلات ومآسي وتدمير، فإنها لم تحرك ضمائر (الإخوة) في الدين والشركاء في الوطن (كما يقولون)، والساسة وأئمة الإسلام في العالم ودول الجوار ليقولوا كلاماً يدل على عدم جواز قتل النفس البريئة، ولم يخرج أحد من وعاظ السلاطين وفقهاء الحكام الذين نسوا وتناسوا الحكمة والموعظة الحسنة من دائرة الصمت، وكذلك الحال بالنسبة لضباط الجيش الذي كان يسمى زوراً وبهتانا بالعراقي، حيث لم يترددوا في توجيه السلاح ضدنا، بل كانوا يتفننون في تنفيذ مهامهم الاجرامية، ويبرعون في التدمير المقرون بالكراهية والممزوج بالتدني الأخلاقي وفي شحذ الهمم لصالح الطاغية الذي أراد إختفاء أحقاد وعواطف جيشه ورفاقه الحزبيين وجحوشه وراء النص الديني دون رحمة أوتسامح.
اليوم، وبعد مضي أربع وثلاثين عاماً على تلك الجريمة البشعة التي إرتكبها واحداً من دعاة القومية العربية، يمارس البعض من الساسة في بغداد ذات النهج الذي يتطابق مع تصرفات الصداميين اللاإنسانية السابقة تجاه الكورد عامةً والفيليين خاصة، ونسمع منهم تصريحات بغيضة تتشابه مع تصريحات الصداميين، بل تفوقها في الوحشية والعنف المفرط، وتدل على الإنحياز والتعصب القومي ضدنا، وتؤكد السير المستمر في طريق مليء بالظلام، لذلك أرغمنا على التفكير في إعلان صيغة الوضوح والمكاشفة، والقول:
لقد أثبت الواقع المر أن شراكة الكورد مع العرب في العراق عبر عشرات السنين، كانت شراكة مخادعة مفروضة بقوة السلاح، وكل يوم يمر يتأكد للجميع إنها لا تملك قدرة الاستمرار، وأن الساسة الجدد في العراق متشابهون مع القدامى ويكنون الكره تجاهنا، يتوجّسون منا ويمارسون التعالي معنا وأنواعاً مبتكرة من المؤامرات الهادفة إلى إضعافنا، ويكررون المواقف والشعارات الالتوائية.. عليه ولأجل إنهاء القلق والانزعاج ومنع تكرار جرائم الأنفال التي لاتغتفر، والحيلولة دون إقامة المزيد من المآتم، ومنع إشعال الحرائق ونزف الدماء، لابد من فض الشراكة القسرية بيننا بالحوار والتراضي ومضي كل طرف الى سبيله بأمان..