تلجأ اغلب الدول الى إحداث تغييرات في سياساتها الجنائية من خلال تغيير المنظور الذي يستند اليه القانون العقابي من كونه يركز على ايلام الجاني وإيذائه الى كونه يهدف الى إعادة تأهيله واصلاحه كذلك من خلال اشباع القانون العقابي بالفكر العقلاني وإضفاء ما يمكن إضفاؤه من البعد الانساني عليه عبر ما يعرف بأنسنة القانون الجنائي وتجاوز المنهج التقليدي في الزجر والعقاب الى منهجيات عقلانية واصلاحية حديثة تعود بفوائد اكثر للمجتمع من خلال ما تتبناه من عقوبات بديلة واستبدال الكثير من العقوبات الحبسية الى عقوبات مالية.
والسياسة الجنائية بمفهومها التقليدي هي مجموعة وسائل وتدابير ينبغي على الدولة تسخيرها لزجر الجريمة باكبر قدر من الفاعلية الا ان هذا المفهوم تطور ليصبح من اولويات السياسات الجنائية الاهتمام بمعرفة ودراسة الاسباب المؤدية لانتشار الظاهرة الاجرامية ومن ثم وضع خطة وقائية للحد منها، يعني ذلك ان الدولة تستند في تعديل سياستها الجنائية لبحوث ودراسات من مراكز علمية وبحثية متخصصة فاذا اشارت تلك الدراسات ان اكبر عدد من المجرمين ينحدرون من مناطق العشوائيات فينبغي عليها ان تضع خطط شاملة للاسكان وتمليك الدور واذا اشارت الإحصائيات البحثية الى ان السبب الرئيس للاجرام هو العوز المالي والاقتصادي فينبغي ان تضع خطط لتوفير فرص عمل وتقليل نسب البطالة بين الشباب.
وباللجوء الى مثل هذه السياسات الوقائية ستحمي الكثير من الأفراد من الوقوع في شراك الجريمة كونهم ليسوا مجرمين بالفطرة لكنهم أصبحوا مجرمين بما صنعته الدولة من ظروف سيئة وصعبة ادت الى تفشي الامية والفقر والبطالة.
وفي العراق لا اعتقد ان أي تعديل لقانون العقوبات يستند قبل اللجوء اليه الى دراسات واحصائيات علمية وعملية ذات بعد اجتماعي وانثربولوجي بل ان اكثر التعديلات ارتجالية وبعد فترة تكون غير ذات فائدة وبالرغم من ان المنظومة القانونية العقابية في العراق تزخر بالنصوص الزجرية الا انها لم تنجح في التقليل من الجرائم كذلك فان سياسة تغليظ العقوبات واللجوء الى الظروف المشددة لم تسهم في تقليل عدد الجرائم والمجرمين فاغلب الدول تعاقب قوانينها بالاعدام او السجن المؤبد على جريمة الاتجار بالمخدرات ومع ذلك فان ظاهرة انتشار المخدرات في تزايد ما يجعل من الضروري ان تنظر السياسة الجنائية للجريمة على انها مشكلة قانونية واجتماعية واخلاقية وليست فقط مشكلة قانونية بين جانٍ وضحية وان تتبنى السياسات الجنائية النظرة الانسانية للجريمة والعقاب وان تضع الخطط التنموية للوقاية منها وعدم الاكتفاء بالعقوبات الزجرية.