إذا كانت القراءة متنفسا مهما للعقل فالرياضة متنفس أهم للروح والجسد وهي متنفس صحي واجتماعي ونفسي شرط أن تبقى تحت إطار التنافس الشريف بعيدا عن الغش والخداع والتزوير.
ولأن الرياضة تطورت بشكل لافت في السنوات الأخيرة وأصبحت علاقاتها والآثار المنبثقة عنها معقدة والنزاعات المرتبطة بها كثيرة فان الأمر استلزم إيجاد نظام قضائي متخصص لفض النزاعات ما حدا باللجنة الاولمبية الدولية في العام 1984 إلى المصادقة على نظام المحكمة الرياضية الدولية لترسي بذلك أسسا قضائية للتحكيم الرياضي وفض النزاعات الناشئة عن العلاقات الرياضية. وفي عام 1994 تم فك ارتباط المحكمة الرياضية باللجنة الاولمبية الدولية ومنحها الاستقلال الكامل واختصاص المحكمة ينحصر في فض النزاعات الرياضية وهي نزاعات تنشأ بسبب الرياضة وأنشطتها كالنزاعات المالية مثل عقود التدريب مع المدربين والاحتراف مع اللاعبين وعقود النقل الحصري للمباريات كذلك النزاعات الناشئة بسبب العقوبات المفروضة لتناول المنشطات وكذلك انتخابات الاتحادات المحلية ومدى شرعيتها.
وقد ألزمت المادة 64 الفقرة 1 من لوائح الفيفا الاتحادات المحلية بالالتزام بقرارات محكمة كاس وفي الفقرة 2 من المادة ذاتها منعت لائحة فيفا اللجوء إلى القضاء العادي إلا إذا نصت لوائح فيفا على جواز ذلك وتأسيسا لما تقدم فان القضاء العادي يمنع من نظر هذه النزاعات وحتى ان نظرها واصدر قرارات فيها كحل الاتحاد او إبطال انتخاباته فإنها تكون معدومة الأثر، وان الاتحاد الدولي سوف لن يعتمدها كونها تدخل ضمن اختصاص محكمة كاس.
والسؤال الأهم الذي يطرح في هذا الإطار هو هل أن التهم الموجهة لموظفي الاتحادات المحلية او لأحد أعضائها بالتزوير وتقاضي الرشى وغيرها من التهم الجنائية تدخل ضمن اختصاص محكمة كاس وبالتالي يمنع القضاء العادي في الدولة من نظرها؟ أم أنها تعتبر من قبيل القضايا الجنائية العادية التي لا ينطبق عليها تعريف الانشطة الرياضية ولا تمتلك محكمة كاس إمكانية التحقق منها وإثباتها ومن ثم فهي تخرج عن اختصاصها وتدخل ضمن اختصاص القضاء العادي في الدولة، وماذا لو اختلس احد موظفي الاتحاد أو أعضائه مبالغ مالية او ارتكب تزويرا في محررات رسمية او ضبط متلبسا بجريمة رشوة بالجرم المشهود فهل تمتلك محكمة كاس إمكانيات وأدوات إثبات الجريمة او نفيها من مضاهاة مبارز جرمية وتقارير فنية وتحقيقات إدارية وبالتالي تمتلك إمكانية إصدار القرارات ام أن الأمر يترك للقضاء العادي لإثبات أو نفي الجريمة وإصدار العقوبات؟
باعتقادي فان محكمة كاس تنظر في النزاعات الرياضية تجارية ومالية وعقوبات حرمان ومنح وحقوق نقل مباريات وان القضاء العادي يمنع من نظر مثل تلك القضايا، أما الأفعال التي تشكل جرائم كتقاضي الرشى والتزوير فان القضاء العادي ينظرها ومن ثم ترسل نسخ منها الى محكمة كاس فإذا تأكدت من ثبوت ارتكاب احد موظفي الاتحاد او احد أعضائه جريمة فان محكمة كاس يمكن ان تصدر بحقه عقوبة الحرمان من ممارسة الأنشطة الرياضية نهائيا أو مؤقتا مع الغرامات المالية او أي عقوبة تجدها ملائمة وفق لوائح لجنة الأخلاقيات في الفيفا إذ أن لوائح الفيفا لا تمنح حصانة جنائية لأي عضو اتحاد او موظف ولا أدل على ذلك من ان العقوبات التي فرضها الفيفا على ميشيل بلاتيني بتهمة تقاضيه رشاوى لم تمنع القضاء الفرنسي من فتح قضية جنائية بحقه واستجوابه ولم يعتبر الفيفا ذلك تدخلا حكوميا في شأن الاتحاد الفرنسي لكرة القدم وعلى اية حال فان محكمة كاس لا تمتلك ايقاف تنفيذ احكام الحبس او السجن لأي رياضي غير أنها يمكن ان تعتبر أن ذلك تدخلا من سلطات الدولة بشان الاتحاد المحلي ومن ثم اصدار عقوبات رياضية حسب اللوائح ولو أن ذلك احتمال ضعيف واني كنت وما زلت اعتقد ان العقوبات الصادرة بحق مرتكبي الجرائم من قبل العاملين في الاتحادات يجب ان تستند اليها محكمة كاس في اثبات عدم صلاحية المدانين للعمل الرياضي ومن ثم إيقافهم لضمان نزاهة وسلامة الأنشطة الرياضية وإدارتها.