سندس ميرزا/ قد يشعر قارئ هذه الكلمات المتعبة باليأس والتشاؤم، ما الذي ننتظره من هذه الحياة القاسية؟ انا لست شاعرة، وليس لدي كلام جديد، مجرد اكرر معكم آلامنا القديمة، ليس هناك احد يقدر ثمن لحظات الحياة بقدر دفان عجوز، بسبب الصمت الرهيب الذي ينتظر فيه الموت، لقد تعلمت ان أجري كثيراً حتى خسرت اقدامي واصبح حالي حال الواقف في مكانه. كثيرة هي الاحزان التي جعلتني اشيباً، وها انا احاول ان اخفي وحدتي في رسومي، واخفي في سكوتي ما لم اشأ قوله، اما آلامي فأخفيها في ابتسامتي، فرأس مالها ليس بكاء الاخرين. انا من عشيرة قلوبهم مثل قلوب الاطفال، بسطاء في نظراتهم وضحكاتهم وحتى في ملابسهم، يُكسرون بسهولة، وبسهولة اكثر يموتون، لذا يدفنون آلامهم فيشعر الجميع انهم بلا ألم، ويتبعون احاسيسهم حتى لو كانت مرة بسبب وحدتهم. رحلة قومي ليست بحاجة الى حجة، فحقيبة تكفيها، واحيان بلا حقيبة كما حل في تسفير الكورد الفيليين. عندما يُستعرض شريط جراحاتنا العميقة وتتسلل الذكريات بحلوها القليل وبمر مرورها، حقيقة ما الذي يحدث عندما يتوفى الأجل شخص فيلي؟ الجواب لا شي يحدث. فلا عطلة تعلن حداداً ولا يشار اليه في نشرات الاخبار، لا يغلق لأجله شارع، ولا يوجد سطر باسمه مدون في مفكرة، رحيله سيكون ملحوظاً فقط في شعر اُمه فيصبح اكثر بياضاً، وظهر ابيه الحزين يصبح اكثر انحناءً. اما اقاربه سينالون قسطاً من الراحة من اعمالهم، ومع مرور الايام ستنسى اخواته ذكرياته امام العارضة الزجاجية لصائغ الذهب، اما اصدقاؤه وحين موعد تناول طعام "الثواب" بعد الدفن ستبدأ ابتساماتهم بالظهور شيئا فشيئا، وهكذا تستمر الحياة. فموت الانسان الفيلي لا يتعب احداً في هذا البلد سوى دفانه، ولن ينشغل احد بمعرفة هل مات الرجل عراقياً، أم ابت التبعية الا مرافقته الى مثواه؟ واخيرا، في حال لم يكن من مفقودينا، سيكتبون فوق شاهد قبره ان طفولته قد قضت سريعا وشبابه بدأ سريعا وغادر على عجالة، ومشاكله ومتاعبه اقبلت مسرعة واستقرت معه الى نهاية المطاف. لذا اتركوا القريب والبعيد يبدؤون بالزهايمر سريعاً حتى ينسوه هنا وهناك.