عباس عبد شاهين
مع انتهاء العملية الانتخابية في العراق وإعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية يدخل العراق مرحلة جديدة من المفاوضات لتشكيل الحكومة والبرلمان السادس، وبين قوة التحالفات وسباق الكتل السياسية على النفوذ يبرز صوت الكورد الفيليين الذين يضعون اليوم أملاً كبيراً على نوابهم الفائزين وعلى البرلمان الجديد لتحويل الوعود إلى تشريعات حقيقية تنصف حقوقهم، فالكورد الفيليون الذين تعود جذورهم إلى آلاف السنين في جغرافيا هذا الوطن كانوا وما زالوا جزءاً أصيلاً من النسيج الاجتماعي العراقي فتاريخهم ليس مجرد سرد لمعاناة بل حكاية صمود وهوية حافظت على وجودها رغم محاولات الاقتلاع في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي حين تعرض الفيليون لحملة تهجير قاسية من قبل النظام البعثي البائد صودرت فيها ممتلكاتهم وجردت منهم الجنسية وتم تغييب آلاف الشباب دون أثر فهذه الجراح القديمة لم تغلق بعد لكنها اليوم تتحول إلى قضية سياسية واضحة يطالب اهلها بحقوقهم عبر الأدوات الدستورية لا عبر المناشدات، وقد اثبتت المشاركة الواسعة للفيليين في الانتخابات الأخيرة أنهم لا يبحثون عن دور رمزي بل عن تمثيل فعلي قادر على إنتاج قوانين ملزمة للحكومة تعيد إليهم ما تم سلبه منهم بدءاً من استرداد الممتلكات وصولاً إلى ملف المغيبين قسرياً وانتهاءً بحقوق المواطنة الكاملة فالوعي الفيلي ظهر جلياً عبر حسن اختيارهم لمرشحيهم وإيمانهم بأن البرلمان هو الطريق الأكثر فاعلية لاستعادة الحقوق وأن التصويت ليس مجرد فعل انتخابي بل موقف وطني ورسالة انتماء، وفي الجانب الاجتماعي يعكس صعود الفيليين في العمل السياسي رغبة عميقة في إعادة حقوقهم ضمن مؤسسات الدولة بما يليق بتاريخهم وحضورهم الاقتصادي والثقافي فالكورد الفيليون يعتبرون من الجماعات النشطة في التجارة والتعليم والحياة المدنية وتنوعهم الثقافي الممتد بين الكوردية والعربية يجعلهم جسراً بين الهويات والمكونات المختلفة ولذلك فإن تمثيلهم البرلماني ليس مكسباً فحسب بل إثراء للحياة السياسية العراقية التي تحتاج دائماً إلى أصوات معتدلة وعقلانية، ويدرك الفيليون أن المرحلة المقبلة لا تحتمل تكرار أخطاء الماضي فالبرلمان السادس أمامه مسؤوليات كبيرة في تشريع قوانين عالقة بعضها يمسهم مباشرة وما يريده الفيليون ليس وعوداً بل نصوصاً قانونية واضحة تُلزم الحكومة بتطبيقها ضمن جداول زمنية محددة ومع بدء العد التنازلي لتشكيل الحكومة يقف الفيليون أمام لحظة تاريخية جديدة فبعد أن اختاروا طريق المشاركة السياسية لا العزلة يتطلعون اليوم إلى أن يتحول هذا الحضور إلى قوة تشريعية داخل قبة البرلمان قوة قادرة على نقل مطالبهم من خانة المعاناة التاريخية إلى خانة الحلول الفعلية، فالفيليون ببساطة لا يطلبون امتيازات بل حقوقاً طبيعية نص عليها الدستور وآن الأوان لتتحول إلى واقع والبرلمان المقبل بتركيبته الجديدة وبوجود نواب فيليين منتخبين بثقة جماهيرهم يمتلك فرصة حقيقية لفتح صفحة جديدة من العدالة والمواطنة وإن أمل الكورد الفيليين اليوم ليس حلماً مثالياً بل مشروع واقعي يبدأ من قاعة البرلمان وينتهي ببيوتهم التي تنتظر عودة حقوقها والأيام المقبلة ستكون الامتحان الأكبر لجدية القوى السياسية في بناء ذلك.