عبدالخالق الفلاح/ الإنسان يولد وينمو ويتفاعل و ينضبط داخل نسق مجتمعي ذي قيم وقوانين ينبغي احترامها والتقيد بها وتوجيهها بما يتوافق مع أعراف وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه، قولة أرسطو "إنّ الإنسان مدنيّ الطبع" أي أن طبيعة الإنسان لا يمكن ان تكتمل الا من خلال انتمائه للمجتمع، لا يوجد مجتمع بدون أفراد، والفرد لا يساوي شيئا بدون المجتمع، فهما وجهان لعملة واحدة، وقد يقف في ذلك الموقف الذي يحاول خلق تمايز بينهما، واستبدله بأطروحة تدافع عن فكرة مضمونها، أن العلاقة القائمة بين الفرد والمجتمع هي علاقة تفاعل وتأثير متبادل.
والانسان الحر لا ينحني ، يعيش طوداً منتصباً شامخاً، ويمت عزيز النفس ولا يشتكي لضيق اليد في العيش ولا يسجد امام ابواب المسؤولين ، ولا يشتكي لاحد مما يعنيه وما يحتاجه وسوف نذكر نموذخ في متابعة المقال *، هذه هي صفات الناس الذين عشنا معهم في منطقتنا باب الشيخ ،لقد رايت في حياتي افراد تتمثل فيهم القداسة والايمان والخلق ولازالوا ينقسون في خاطري تلك الصفات القيمة من الصبر والتحمل ، لقد كنا في محلة تسمى الشيخ رفيع ( دربونه الجلبي ) وهي صغيرة و لا يتعدى عدد دورها عن السبعة ولكن ما احلى جمال العيش والمحبة التي لا تقف عند حد معين من التعاطف والتكاتف وعلاقات التعايش المشترك فيها ،كنا كأولاد اخوة ،والبنات ،اخوات ، والنساء امهاتنا ، تراضعنا معاً وكبرنا معاً وتحاببنا معاً ، حتى في زمن الاختلافات الفكرية والسياسية كان همنا واحد وطريقنا واحد رغم كل الاختلافات السياسية ،فترى فيهم القومي ، والشيوعي ، والاخواني ، والبعثي ، والوطني والمستقل ، والكادح ، لكن نحترم الجيرة ونلعب في نفس الفريق الكروي ونخرج للنزة معاً وهكذا، ومن هنا اود ان اذكر ذلك النموذج الرائع في التألف والمحبة والاحترام و واقعة اثرت ولازالت في نفسي رغم السنوات الطويلة التي مرت على تلك الحادثة المؤلمة ،هو يوم استشهاد احد ابناء المحلة من عائلة امام الدين الكريمة اثناء مشاركته في تظاهرات زيادة سعر البنزين ( فلس واحد )عام 1961 وهو من الكادر المتقدم في الحزب الشيوعي المناضل انور احمد امام الدين والمشهور في المنطقة تحت اسم ( عادل ) حسب ما عرفنا عنه بعد استشهاده وهو من عائلة كريمة معروفة عندنا في " الدربونة " والمنطقة عندما كان في اطلالة التظاهرة برصاص قوات الامن ،حيث تم اقامة مجلس للفاتحة على روحه حضرها كل ابناء المنطقة وشاركوا بالشكل الممكن للمساهمة في تخفيف الم الفراق والحزن والمشاركة مع العائلة في المواساة ، ولم نكن نعرف معنى للايديولوجيات والسياسات المختلفة التي كانت تطوق منطقتنا، حيث حضرها الماركسي والبعثي والقومي ومن حزب التحرير الاخواني وما اكثرهم في تلك المرحلة في المنطقة، ومعمموا الحضرة الكيلانية اصدقاء اخ الشهيد ومن نفس المدرسة حيث كان معمماً ويدرس الدروس الدينية ولم نسمع لهم خلاف في يوم ما رغم كل الاختلافات السياسية والفكرية بينهما واستغرقت المراسيم بدون انقطاع ولا خوف من رجال السلطة مدة سبعة ايام متتالية.
*اما النموذج في الصبروالقناعة في العيش الكريم فقد كنا نعيش مع عائلة عزيز من مجموعة من خمسة اولاد وبنت واحد جاءت متأخر الولادة اواخر سنة 1961، والاب تتمثل فيه كل الطيبة والخلق والهدوء والرزانة والتدين وعرف بالزهد الوافر ، هي عائلة عبد السلام القبانجي ، شقيق مطرب المقام الاول في العراق والتاجر المعروف الاستاذ محمد القبانجي ، وكان الرجل يعيش على بيع الادوات السيارات والحديد المستهلكة للسيارات في شارع الشيخ عمر كنا تنحسس بكل معانته ولكن من يستطيع ويتجراء من ان يتكاشف معه ،ولا انكر من كون اخيه الاستاذ محمد القبانجي كان يأتي بعد ان علم ضيق يد اخيه ليمر في اوقات خاصة " الظهاري" ايام الحر حيث يطمئن و يعرف عدم وجود اخيه في البيت وكان يطرق بابنا ليخرج عليه احدنا اليه ولاننا على علاقة وثيقة مع جميع افراد العائلة حيث تربينا سوية لسنوات وضقنا الحلو والمر وعاصرنا ازمانها و كان الاستاذ محمد القبانجي صديق الوالد والمعروف بكونه من رجال الخير واكثر من اهل بحكم الثقة و( الميانة ) لنوصل اي امانة او اي وصية الى تلك العائلة المحترمة والعزيزة والملاصقة في السكن لدارنا دون ان يعرف العم عبد السلام بذلك رغم كل المعاناة ويذهب وهو ممتن بكل هدوء،ما يعني وحدة أبناء البشر وتساويهم في ارتباطهم بأحسن بالله. إنه ربّ جميع الناس.
وليس لأحدٍ – بسبب طبيعته الإنسانيّة – علاقة خاصّة متميّزة به. ولا لأحدٍ معه قرابة. ليس إله شعب خاصّ أو قبيلة معيّنة، ولم يختر شعبًا معيّنًا ليكون ذلك الشعب سيّدًا والباقي عبيد. كلّ الناس أمام الله سواسية، وليس لأحدٍ عند الله كرامة خاصّة إلّا بالعمل الصالح، أي بالسعي والمثابرة على طريق خدمة الناس والعمل المؤدّية إلى سمّو الإنسان، يعني وحدة وانسجام حياة الإنسان ووجوده؛ فهي مركّبة من الذهن والواقع، من الفكر والعمل. وإذا خضع واحد من هذين الجانبين، بأجمعه أو بقسمٍ منه، أي إذا أصبح الذهن خالي من انا والواقع غير انساني ، أو أصبح الواقع اخوي والذهن بعيدًا عن هذا الواقع حينئذٍ تظهر الازدواجيّة في حياة الإنسان، ويبرز الشرك والانحراف.
الهوية الثقافية والاجتماعية هي عبارة عن مجموعة من الصور الأساسية الثابتة في ذاكرة الانسان؛ و تُعبرعن ثقافة معينة لمجموعة ما من البشر أو لفرد واحد ، وتهتم هذه الهوية بالتناسق بينها وبين العقل من خلال نبذ التطرف الطائفي والعرقي في جميع أشكاله ، وتعبر هذه الهوية كذلك عن الأفكار والتصورات والقيم والرموز والتعبيرات لمجموعة ما والتي تكوّن أمة ذات هوية وحضارة تختلف من مكان لأخر حول العالم ، ومن ثَم فإن الهوية المشتركة تكون هي المنبع الرئيسي الذي يُعبّر عن الخصوصية التاريخية لأي أمة.تاريخ أي أمة هو السجل الثابت لذكريات هذه الأمة وماضيها ، ولا يمكن أن تشعر أي أمة بوجودها إلا عن طريق التاريخ الذي يوضح مسالكها ويعبر عنها ، ويميز التاريخ الجماعات البشرية عن بعضها البعض ، وطمس التاريخ هو الطريق الأول لإخفاء هوية الأمة وتشويه ملامحها ، ومن هنا وبتحرك ذاتي وبشعور من باب المسؤولية التاريخية شرعت بكتاب هذه المواضيع التي طبعت في ذاكرتي ومن خلال البعض من الاعزاء لنقل صور حقيقية لجزء يسير من تاريخ مدينتي العظيمة بغداد دجلة الخير والعطاء ولبعض الشخوص الذين عاصرتهم والحوادث التي أثرت في أنفسنا وتتسابق الذاكرة بين حين وآخر لاعادة تصويرها من جديد على هامش الحياة اليومية، من المواقف التاريخية التي سجلت لمنطقة باب الشيخ والتي اتصف بها هو التمرد على الحاكم العثماني وكان فيها من الاشقياء المعروفين آنذاك بشجاعتهم وتحديهم للسلطة العدد الوافر منهم وكانت مقهى ملا حمادي في منطقة المربعة مكان لتجمعهم فيها وتم الاستعانة بهم للذهاب الى باب الطلسم من اجل فتحها لغرض دخول قوات حلب لفتح بغداد وتخليصها من وضعها المأساوي في ظل الحكومة العثمانية وتم أسر الوالي وارساله الى اسطنبول مغفوراً . كما ان أبناءها كانوا مواظبين في أيام الصيف بالذهاب الى نهر دجلة الذي لم يكن بعيداً عن المنطقة إلأ ببعض المئات من الأمتار لغرض السباحة وتعليم ابنائه اصول التعليم للسباحة الصحيحة وذلك بربط الاولاد بحبل مربوط عليه كرب النخيل يوضع على ظهور المتعلمين من أجل مساعدتهم في السباحة ولا ينزل الغير متعلم إلأ مع اشراف معلم يعلمه اصول هذه الممارسة خوفاً من الغرق لان مجرى الماء كان شديداً في بعض ايام السنة وقد شجعت هذه الطريقة الجاليات الموجود من النساء للنزول الى النهر والمشاركة في مزاولة هذه الرياضة الممتعة وقد تخرج من العراق سباحين مشهورين مثل السباح العالمي قاهر المانش علاء الدين النواب افضل سباح عراقي في التاريخ «سمكة دجلة» كان يطلق عليه بعد أن استطاع في 27 أغسطس 1959 عبور بحر المانش ليفوز كأول سباح هاوٍ بمسابقة ضمت محترفي السباحة في حينها و هو من امهر السباحين البغداديين، والذي لم يظهر مثيل له في بغداد قبله وبعده حتى يومنا هذا حيث تتابع هذه الرياضة بحكم عشقها لها وبحكم معرفتهم السابقة بسمكة دجلة الذهبية علاء الدين النواب، وكانوا يغادر المكان الذي يسبحون فيه حال حضوره احترام لكفاءته في السباحة، ولانه بعمر يزيد على عمر كثيرا منهم . وهو من عائلة النواب المشهورة صاحبة الثراء والغنى الكثير و الأملاك في الكرخ والرصافة والكاظمية وكربلاء والنجف اصحاب الشريعة (بكسر الشين) المعروفة بـ الكرخ بمحلة الجعيفر، والبيت الكبير المطل على نهر دجلة، حيث يأتي أبناء بغداد للسباحة في شريعة النواب لذلك انطلقت البستة البغدادية المشهورة((نوري السعيد القندره وصالح جبر قيطانه)) :ولم تكن النوادي مشهور في ذلك الزمان انما كانت الزورخانات وهي مكانات تعلم المصارعة ورفع الاثقال والملاكمة ورفع القوى والحركات البهلوانية والذي اشتهر منهم البهلوان صادق صندوق والذي توفي في أواخر السبعين من القرن الماضي .تولى فيصل الثاني ابن الملك غازي الحكم تحت الوصاية وهو لم يبلغ الثالثة من عمره، وكان نوري السعيد هو الذي يدير الدولة، واندلع في هذه الأثناء انقلاب رشيد عالي الكيلاني يعني عام 1941، واستمرت حالة من عدم الاستقرار تخيم على الأوضاع السياسية في العراق تخللتها ثورة القبائل الكردية عامي 1945 و1946 ثم معاهدة التعاون العسكري المشترك بين العراق والأردن عام 1947، وانتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 1952 التي طالبت بانتخابات مباشرة والحد من صلاحيات الملك و أججت انتخابات عام 1954 ما كان موجودا من توترات داخل النخبة السياسية الحاكمة.
فالحرية النسبية التي جرت في أجوائها تلك الانتخابات كانت، إلى حد بعيد، نتيجة للكراهية التي كان يكنها الوصي على العرش عبد الآلة، إزاء نوري السعيد، بسبب سيطرة الأخير، عن طريق حزبه (حزب الاتحاد الدستوري)، على البرلمان (51). وكان الوصي عبد الآله على قناعة بأنه لا يستطيع زيادة عدد الأعضاء المستقلين داخل البرلمان الجديد، وبالتالي إبعاد سيطرة أعضاء الحزب الدستوري، إلا عندما يستغل فرصة وجود نوري السعيد خارج الحكومة، وتواجده في الخارج. لكن نتيجة تلك الانتخابات لم تكن فقط نتيجة للمشاحنة الشخصية بين عبد الإله ونوري السعيد، وإنما كانت، أيضا، نتيجة خلافاتهما السياسية، بشأن هل يقيم العراق وحدة مع سوريا. ورغم أن نوري السعيد كان قد حذر، من مكان تواجده في لندن، عبد الإله، بأن حزبه الدستوري يجب أن يضمن بين أثنين وسبعين وثمانين مقعد داخل البرلمان، إذا أريد ضمان استقرار سياسي جدي في البلاد، إلا أن الوصي على العرش تجاهل تلك النصيحة. وفي عام 1958 وقع العراق والأردن على اتحاد فدرالي فيما بينهما وخلال العهد الملكي حصلت مجموعة من الانتخابات الصورية التي كانت النصيب الأكبر هو لكبار رجالات العشائر و الاقطاعيين وأصحاب المال والقريبين من الدولة وان فيها مخل للحرية للمواطن من انتخاب من يراه مناسباً أو يرغب ويثق به للوصول الى مجلس النواب ومجلس الأعيان ليمثل ..وينقل لي اخي الاكبر الاستاذ عبد الوهاب يارة مدرسة اللغة الكوردية في اعدادية الكفاح سابقاً ،ان وسائل الاعلام للانتخابات من قبل المرشحين كانت محصورة في عجلات ( سيارات ) بيكب وعليها مكبرات الصوت تجوب الشوارع ويجلس شخص ينادي انتخبوا فلان الفلاني .. فهو ممثلكم الحقيقي ..وحسب ما ينقل من ان مكتب المرشح عواد علي النجم وهو المرشح عن منطقة باب الشيخ كان يقع في بداية الصدرية من جانب شارع الكفاح في الفرع المؤدي الى سوق الصدرية وكان يشاهد العجلة وهي تمر وعليها مكبرة الصوت ويصرخ من داخل السيارة المرحوم السيد ستار مامه حسين انتخبوا مرشحكم الاستاذ عواد علي النجم و كان الاطفال يركضون خلفها وبكل براءة وهكذا لبقيت المرشحين وطبعاً لم تكن وسائل الإعلام متيسرة في ذلك الزمان كما هي الحال اليوم حتى أن العديد من الصحف كانت تمتنع عن نشر صور المرشحين خوفاً من الملاحقة للتحقيق او السجن .