القسم الرابع
علي حسين فيلي/ على الرغم من الانتخابات تعد مسألة اجتماعية وثقافية، الا انها أخيراً لها ايضا جنبتها السياسية وقرار الناخب هو الذي يحدد انعكاسا للسياسة ووفاء لهويته. فأي نوع من التصويت نحتاج اليه نحن للمحافظة على التوازن بين التصويت القومي والتصويت غير القومي؟! صحيح ان العمل في السياسة من دون ان يكون لك برنامج او ظهير يشبه بناء بيتك امام مجرى الفيضان فبهذا ليس هناك جريمة اكبر من دفع الفيليين الى اليأس والتمرد والضياع.
في هذا البلد، يسمح لنا القانون باسترداد حقوقنا ولكن السلطة لا تسمح بتنفيذه! السؤال هو ان كل الجهود القومية وحتى الدينية في قالبها المذهبي لم تستطع ان تضع نهاية لمآسينا، فكيف بامكان مصطلح (المكون المجرد) ان يمنحنا الاستقرار والامان؟!
ان ما يحتاجه الفيليون اليوم هو القضاء على الموانع الرئيسة للعنف الفكري، وعلى قرارات وردود افعال السلطة تجاههم والتي جعلت جميع افاق حياتهم غير مستقرة.
في بداية سقوط النظام السابق انخفض مستوى العنف ولكن الامر لم يستمر طويلا فعاد وارتفع مرة اخرى بشكل كبير وتراجع تيار التهدئة والاستقرار، فنحن الان نعيش وسط اطول فترة من الازمة السياسية، وخاصة ان التيارين المذهبي والقومي في صراع عنيف. في السابق لم يفكر احد منهما بمسح الاخر من الوجود بشكل نهائي، ولكن في الانتخابات الحالية، فان الطرف المذهبي السياسي يتخذ بحكم تصديه للسلطة قرارا بالقضاء على الاطراف الاخرى ومسح آثارها.
ان الذين ينادون بالـ(مكون) في ظل المذهبية السياسية، لا يريدون استمرار الوئام بيننا، ان الذين يتقدمون بسيناريو الـ(مكون) يهدمون جدار الثقة، ويصرفون كل ما جعبة الفيليين من القوة والامكانية الى وهم فارغ.
حسنا، اذا اصبحنا (مكونا) بلا قومية، فهل سيتم نقل ملفنا من (شعبة الاجانب) الى الطابق الارضي ويتساوى مع حقوق المواطن الدرجة الاولى؟ ويأتي هذا في وقت لم يطالب الكورد الفيليون في اية عملية سياسية ان يحول مكان سكنهم في العراق الى (إقليم) او ان (ينفصل)! لقد تم تهجيرهم وتشريدهم الا انهم لم يكونوا بلا شعب حتى يتم تعويضم او رفعا للخسائر عنهم بخيار الافتخار بـ(مكون) بعيدا عن ابناء ارومتهم.
ان السبيل لاجتياز هذه الفتنة، لاتكمن في الصمت والزعل والصراخ ولا انقلابات التشهير، بل تكمن فقط في طريق وحيد امامنا وهو السعي المشترك لاقناع الاخرين بالاعتراف بنا وان يعترفوا بما نريده والاّ يرونا مختلفين عن هذا المجتمع او عن انفسهم.
دعونا نشارك في اعادة بناء الثقة في هذا البلد وبيننا ايضا، لان مفاخر العراق لا تتلخص بالتاريخ والثقافة واللغة المشتركة او الاثار القديمة والثروة النفطية فقط، بل بالمساواة والعدالة والامن والاحترام وتعايش المواطنين الذين كانوا جميعا فيها متشاركين، ومشكلة الكورد الفيليين ليست فقط في مسألة القومية من اجل سعادة الدنيا والدين والمذهب نحو العواقب الحسنة، اي ان المشاركة في الانتخابات شرط ولكنه ليس الوحيد، نحن رأينا سابقا الكثير من المغامرات والمجازفات السياسية، ولكننا دخلنا اليوم في عالم انعدام الثقة.
في الحقيقة ليس اي شخص قومي هو بالضرورة عدوا للدين والمذهب، ومصطلح فيلي لا يمثل عشيرة او طائفة بل يشكل اتحادا للعشائر الكوردية لشرق دجلة جُمِعنا بالاختيار لا بالقوة تحت ظل واحد. والذي تم اقترافه ضد هذه الشريحة من امتنا من الجرائم تدخل خانة الابادة الجماعية (الجينوسايد) نتج عنها قتل ابناء الشعب، ولكن لم يتم قتلنا مثلما يتم الكلام عنا كشعب.
من الواضح ان هناك سعيا جليا لتفريقنا عن هويتنا التاريخية والقومية ودفعنا نحو توجه وبرنامج سياسي يظهر عليه لقب الفيلي.
ان مصطلح (مكون) من جانبيه القومي والمذهبي خلق فجوة بيننا. على الرغم من ان الخوف من نفوذ انتصار موالي الجانب القومي اظهر الحديث عن مصطلح (مكون) الى حيز الوجود. اي انهم يريدون الا يجلس الكوردي الفيلي المتدين المحافظ على قوميته على كرسي الكوتا. لان المذهب لوحده لم يستطع في السابق ان يمسح اثار القومية، من الواضح ان كرسي الكوتا لن يبقى فارغا وسيجلس عليه شخص ما، ولكن ماذا يحمل هذا الشخص من رسالة وماذا ينفذ من سياسة، سرعان ما سينكشف! نحن مبتلون بمصطلح (التبعية) منذ مائة عام وعلى الرغم من كل التضحيات والخسائر الا اننا لم نتخلص منه لحد الان! فاذا تم ادخال مسألة (المكون) المجرد الى الدستور والقوانين فمتى سنتخلص من اثاره؟