عبد الخالق الفلاح/ أن لكل مجتمع مثقفيه، المجتمعات البدائية عرفت مثقفيها بأشكال مختلفة فهم تارة سحرة وكهنة، وتارة أخرى مغنون متجولون ورواه سير وانساب في الروائع الملحمية التي تشكل تراث الانسانية يقف خلفها مثقفون من كتاب وشعراء، أن جوهر مشاكل للمجتمعات هي غياب الثقافية، وتتعلق بـ التخلف والتأخر، والقيم الأساسية التي تحدد الموقف من المرأة والأقليات وقيمة العمل وثقافة الريع و ثقافة التواكل، وضعف القدرة على تفكير، وضعف القدرة على الإبداع، وبالجملة ضعف القدرة على الحياة، من هنا فالإصلاح الثقافي مدخل أساسي للتقدم والنهضة والحداثة بوجود الوسائل المتاحة من مواقع للتواصل الاجتماعي وجهود مضنية لبعض الوجوه الطيبة التي لا تورع في دعم الكتاب والمثقفين بنشر نتاجاتها مثل صوت العراق وشفق نيوز، وهنا أيضاً يكمن الدور الأساسي للمثقف الذي هو الشخص الذي يواجه القوّة بخطاب الحقّ.
لقد شكل غياب المثقف الفيلي في المشهد السياسي العراقي أمرا صادما إلا القلة منهم وهناك من يفضل الصمت، وينأى بنفسه، وهناك من يختار خدمة أجندة معينة في حين المفروض به اليوم إحاطته أزماته السابقة والثقافات السابقة عليه ومغايرة له ،يجب ان لا يعيش المثقف الفيلي منفياً إجباريا تحت ضائقة فكرية ومعيشية لا تتسع لغير الحراك الفردي واستهلاك الذات باليومي والعابر، والتشاؤم واقعي و منطقي في كثير من الاحيان لأنه قادم من قراءة الواقع وليس من طريقته في قراءة هذا الواقع ، ويجب أن لا يكون مهزوماً يعيش بوجهين في آن واحد: وجع المآلات المرة، ووجع العجز عن تغيير هذه المآلات عليه ان يقف بكل جراءة ليقول الحق كل الحق،
رغم ان هذا الغياب طبيعي في بعض الاحيان حين تكون الأزمة سياسية بحتة وتكون أسبابها خارجة عن المصلحة العامة، وأطرافها يتمسكون بهذه المصلحة للمزايدة فقط …وهو يعيش فى مكان وزمان جديدين، عليه أن يتفاعل مع آليات الفعل داخل هذا الزمان والمكان والمثقف يبدع في كل الظروف والأزمان اذا كان مؤمنا ايمان كاملا بقضية مجتمعه ، ولكنه مطالب بالإيمان بمجموعة من القيم التي تحتم عليه الالتزام بالمساهمة الفكرية والعملية في تنوير المجتمع، لاسيما إبان الفترات الحرجة والمنعطفات الكبرى ، في المثقفون هم الحزب الطلائعي للمجتمع، لكن هذا الدفع يغيب بين طبقات المجتمع الفيلي في الوقت الراهن،
الثقافة السياسية هي جزء من الثقافة السائدة في اي مجتمع معين، غير أنها تنطوي على طبيعة سياسية، فهي تتضمن الاتجاهات الفردية نحو السلطة وتوجهاتها الادراكية ،فإن المثقف الصحيح هو المعلم ومفكر عضوي في اي مدرسة و يبتكر تأملات حوارية لصالح الإرادة الشعبية، لأنها مسألة إنتاج إصلاح أخلاقي وفكري ، ونتيجة لذلك ، ينتج علاقات إنسانية جديدة مبنية اجتماعيا وفقا للمصلحة المرادة العمل عليها، بمستوياته المختلفة من الأداء ، وله دورًا حاسمًا فى تكوين الإجماع، نظرًا لكونه المبدع والواسطة عند الرأي العام.
أين اختفاء المثقف الفيلي؟ عند شبكات التواصل او في الاعلام هو التساؤل الذي يجوب في مخيلة المجتمع، هذه الوسيلة التي تحولت إلى منبر لقياس الرأي العام باستمرار ورصد انشغالاته. ومرد هذا التساؤل هو الوضع المتردي الذي يمر به الانسان الفيلي خلال السنوات الأخيرة ، وتدهور في معظم جوانب الحياة المعيشية والسياسية، من دون أن يدفع كل هؤلاء المثقفين إلى المساهمة بمبادرات فكرية وسياسية- نظرية للخروج من المأزق. خاصة في وقت المنعطفات الكبرى، والتي لعب في الحركة الوطنية قبل الأربعينيات دورا في جعله مرتبطا بهموم المجتمع وتطلعاته لابل منذ أن نشأت الدولة العراقية، لكن اللوم اليوم على من فرّط في حق الامة الفيلية لصالح هذه الجماعة أو ذلك الحزب.