صادق الازرقي
سنة اخرى تمضي، وبذلك تمر هذه الايام الذكرى الرابعة والاربعون لتهجير أعداد كبيرة من العراقيين من اراضيهم وبيوتهم ومصانعهم واعمالهم بذرائع عنصرية وطائفية، إذ شهد عام 1980 بدء أبشع عملية تهجير جماعية ضد الكورد الفيليين، بدأت منذ الرابع من شهر نيسان في ذلك العام، وتواصلت طيلة المدة اللاحقة.
وعلى وفق الوقائع التاريخية والمعطيات الحقوقية والقانونية وعند الحديث عن الجرائم التي ارتكبت ضد الكورد الفيليين في زمن النظام المباد في العراق، يمكن تصنيف تلك الجرائم والانتهاكات الى عدة انواع، بما في ذلك التهجير القسري والابادة الجماعية والانتهاكات الجسدية والنفسية الأخرى.
وبرغم ان الجرائم ضد الكورد الفيليين بدأت منذ نهاية ستينات وفي سبعينات القرن الماضي، الا انها تصاعدت بشكل خاص في مدة حكم نظام صدام حسين.
وتعرض الكورد الفيليون لحملات تهجير قسرية من مناطقهم التقليدية في كركوك وديالى والموصل وواسط وبغداد وأجزاء أخرى من العراق، وزُج بشبابهم في السجون؛ وكانت هذه الحملات جزءا من سياسات نظام صدام حسين لإجبار الكورد على ترك مناطقهم وإحلال سكان آخرين وبخاصة العرب فيها.
وواجه الكورد الفيليون حملات قتل جماعي وهجمات وحشية من قبل الحكومة العراقية في حينها.
وكانت الانتهاكات الجسدية والنفسية منتشرة بشكل واسع ضد الكورد الفيليين، بما في ذلك التعذيب والاعتقال التعسفي والإذلال العام؛ واستنادا الى تقارير المنظمات الحقوقية فان كثيرا من الكورد الفيليين تعرضوا لأشكال متنوعة من هذه الانتهاكات، وغيب الوف منهم ممن هم في سن الشباب في معتقلات سرية؛ ولازال مصير كثير منهم مجهولا حتى الآن، فيما تبين القرائن انهم قتلوا او جرى استخدامهم في التجارب على الاسلحة.
وسعى النظام المباد الى القضاء على التجار من الكورد الفيليين ذوي الدخل والثراء العالي الذين كانوا نشطين في السوق العراقية، بخاصة في العاصمة بغداد بتسفيرهم من بغداد الى خارج العراق.
بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، بدأت عديد الجهود لتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم عن طريق المحاكم الدولية والمحاكم العراقية المحلية، وبوساطة التحقيقات والتوثيقات التي تقوم بها منظمات حقوق الإنسان.
ومنذ نيسان عام 2003 والانتقال إلى النظام الحالي في العراق، بذلت جهود لتحقيق العدالة والانصاف بخصوص جرائم الحقبة السابقة ضد الكورد الفيليين وعديد الجرائم ضد القوميات والأقليات الأخرى فضلا عن جرائم ملاحقة المعارضين من منتسبي الاحزاب الوطنية العراقية.
ومنذ بداية تلك الاجراءات كان من الصعب تقديم تقويم نهائي بشأن مدى الانصاف في هذا السياق، بسبب تعقيدات الوضع في العراق وعدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في السنوات التي اعقبت تغيير النظام المباد؛ الا ان الوضع الحالي الذي يشهد منذ سنوات استقرارا كبيرا في تلك الاوضاع يحتم حسم ملفات كثيرة تتعلق بحقوق الكورد الفيليين كمجتمع او كأفراد، اذ لم تزل كثير من الملفات معلقة ولم يجري حسمها برغم وضوح المجرم والجريمة ومشروعية مطالب المظلومين.
لقد حدثت بعض التطورات في محاكمة الجرائم التي ارتكبت في مدة حكم نظام صدام حسين، وقد جرت محاكمة عدد من المسؤولين السابقين بتهم الجرائم ضد الإنسانية، والتحقيقات تواصلت من ثم في بعض الحالات الأخرى؛ ومع ذلك، لا زالت هناك تحديات كبيرة في معالجة نتائج ذلك التطهير العرقي والجرائم السابقة، وهذا يتطلب جهودا مستمرة لضمان العدالة والانصاف لضحايا هذه الجرائم.
يجب أن يكون الهدف النهائي هو تقديم العدالة والمساعدة في تلبية حقوق ضحايا الكورد الفيليين، بما في ذلك تعزيز استحقاقاتهم وضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل، فيما يتوجب الاستمرار بمطالبة المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي بمواصلة التحقيقات ومنح العدالة لضحايا الجرائم السابقة في العراق.
وبرأي أكاديميين فيليين فان بعض ممثلي الكورد الفيليين يتحملون جزءا من الاخفاق في ايصال الصوت الفيلي ومظلوميتهم الى الجهات المعنية، ويعد بعضهم عدم تواجد "كتلة فيلية" تتبنى استحقاقاتهم ومطالبهم في حوارات الكتل السياسية أحد أبرز الأسباب في عدم تبني القضية الكوردية الفيلية من الاحزاب التي حكمت بعد عام 2003 وأصبحت قضية الفيليين هامشية على ذلك الصعيد على حد وصفهم.
ويلفت مراقبون الى ما اسموه تشتت الكورد الفيليين في الممارسات الانتخابية بعد عام 2003 وعدم اتفاقهم على شخصية او حزب، ومن ثم سعى الكل لكسبهم سواء أكان على أساس المذهب أم القومية.
ويسجل كتاب فيليون نقطة تتعلق بالطبيعة القومية والمذهبية للفيليين بعد 2003 مشيرين الى محاولة القسم الأكبر منهم التمسك بما اسموه بنية الهوية الوطنية العراقية، وهذا ما جعلهم بعيدين عن التطرف القومي أو المذهبي، على حد قولهم.