شفق نيوز/ عندما بدأت الحرب العراقية الايرانية قبل اكثر من اربعين عاما وهاجم النظام البعثي مدينة مهران الفيلية، كان الاستاذ موسى كوردجمشيدي واحدا من المعلمين المشهود لهم في مهران، ولم يكن هو بنفسه ليتصور أن أطفاله سيتحصلون على تخصص معين كل في زاوية من هذا العالم الفسيح، وان يكون لهم اسم في مجال مهني، ومن بينهم ابنته ماريا.
ماريا كوردجمشيدي، التي حصلت على شهادة الدكتوراه في الهندسة المعمارية في استراليا، وتخرجت من جامعة طهران التي تحصلت فيها على شهادة الماجستير، والآن تدرّس في كندا، واحدة من النساء المتفوقات والمدرسات الإيلاميات الشهيرات، شفق نيوز أجرت هذا الحديث مع هذه السيدة الايلامية البارزة.
شفق نيوز- الدكتورة ماريا ماذا تفعلين حيال البعد عن الوطن؟
: على الرغم من أن البعد عن الأوطان له مساوئ؛ الا ان له هنا محاسن كثيرة، وهي ان العشائرية والعنصرية ليس لها أي معنى في كندا، وأنا كأمرأة بعيدة عن الوطن واجنبية، اعمل هنا وليس لدي اي شعور بأني امرأة وكوني امرأة لم يخلق اي مانع و كما انني لست كندية لم يكن ذلك سببا للتمييز ضدي، وهذا بحد ذاته درس كبير لنتعلم منه أن الدنيا هي ملكنا جميعا وكل انواع التفرقة والتمييز ليس لها اي معنى، ليت كل مناطق العالم تكون هكذا جميعا.
شفق نيوز- تحدثي لنا عن عالمك الخاص؟
: انا، ما زلت اعتبر نفسي ابنة لمهران على الرغم من أنني تركتها بسبب الحرب الصدامية، ولم اعد اليها ابدا، وحصلت على شهادة الدبلوم الرياضي الفيزيائي في إيلام، وقبل ثلاثين عاما في تلك المدينة التي كانت تخلو من اية امكانيات، استطعت الحصول على المرتبة الثانية في الهندسة المعمارية من جامعة طهران وهو ما أهلني للدخول الى هذه الجامعة التي اعتز بها لحد الان ولا انساها. وقمت بدراسة الهندسة المعمارية لمدة ست سنوات في جامعة الفنون الجميلة في طهران، وعندما اكملت دراستي أرادت جامعة ايلام تأسيس قسم الهندسة المعمارية وانا قدمت طلبا وتم قبولي وبعد ثلاث أو اربع سنوات في التدريس وبعدها تم ايفادي للحصول على شهادة الدكتوراه في هذا القسم في استراليا واستطعت الحصول عليها من جامعة "نيو ساوث ولز" الأسترالية، وكانت حول "خفض صرف الطاقة في المباني" واستطعت إيجاد طريقة لتنفيذ ذلك، وقد تم تكريمي في استراليا مرتين، جائزة شعبية واخرى حكومية، كما تم تكريمي من قبل احدى الولايات. وفي تلك الأوقات استفادوا من نتيجة اعمالي ولازالوا على اتصال معي ويطلبون استشارتي في تنفيذ الأعمال.
شفق نيوز- وماذا بعد الحصول على الدكتوراه؟
: عندما حصلت على الدكتوراه عدت الى ايلام وعدت لممارسة العمل والتدريس واستمريت في التدريس لأربعة أعوام في ايلام ومن ثم توجهت الى جامعة مازندران شمال ايران وقضيت اربعة الى خمسة اعوام هناك في التدريس، والآن أنا كما ترون في كندا وأتعاون مع عدد من الكليات والجامعات.
شفق نيوز- من وجهة نظرك كشخص دَرَس في عدد من البلدان ودَرَّس فيها، ماهو الاختلاف في العمل فيها مع العمل في ايلام؟ وماهي الفروقات؟
: على الرغم من اننا نستطيع ان نقول ان الانترنت شيء جديد وقلل المسافات ومثلما كنا نتعلم سابقا لم يتبق الكثير من البحث هنا وهناك، ولكن لحد الان فان عددا من الجامعات في إيران مازالت تدرس الجانب النظري وليس كما في الجامعات الموجودة هنا (في كندا) التي يتلقى طلبتها العلم في جانبيه النظري والتطبيقي بشكل كبير. هنا يعلمون الجميع ماذا يفعلون لتطبيق الجانب النظري، الشيء الثاني يتمثل في أنه مايزال في ايران لا يستطيع الجميع الوصول الى الاحصاءات والمعلومات الخاصة بالعمل والعلم، والشيء العجيب هنا ان الايرانيين في العمل بالبرمجيات المعمارية اكثر تقدما، وهذا الامر يعود الى انه في ايران لا يوجد حقوق الطبع ولهذا يستطيع اي شخص الحصول على البرمجيات المعمارية مجانا أو بثمن زهيد والعمل بها وتطوير قابلياتهم المهنية.
شفق نيوز- هل نستطيع ان نقول بان هناك شيء اسمه المعمار الكوردي؟
: شيئان يتحولان لاساس المعمار ، الاول الاقليم والمناخ والطقس والثاني الثقافة،
ومن الجانب الثقافي لا نستطيع ان نجد فروقات كبيرة بين المعمار في المحافظات التي يسكنها الكورد مع باقي المحافظات الايرانية، او حتى في كل منطقة الشرق الاوسط لان معظم العلوم الثقافية، لها جذور من الآراء والمعتقدات الدينية التي كانت سائدة على طول الحقب التاريخية.. والبرمجيات المعمارية معروفة لدينا كيفما كانت وبأي صيغة تصاغ.
في مناطقنا ليس بهذا الشكل وهو الشيء الوحيد الذي أحدث أكبر فرق بين المعماريين في أي زاوية ومكان في العالم وفي ايران، انظروا الى البيوت المبنية في المناطق الدافئة "گرمسير" وتلك التي بنيت في المناطق الباردة "سردسير"، لا تتشابه في كثير من الأشياء على الرغم من أن الثقافة والمفاهيم المعمارية متقاربة في كلتا المنطقتين، ولنقل ايضا لكوني لم اعمل كثيرا على الثقافة والثقافة المعمارية اطلب منكم الا تنظروا لما اقول لكم ككلام شخص متخصص في الثقافة المعمارية لاني درست "المناخ في المعمار" وليس الثقافة المعمارية.
وحسب فهمي، انا في ايلام، لم أر شيئا متميزا باسم المعمار الكوردي، ولكن اطلب من المتخصصين في الثقافة والمعمار ان يجعلوا من هذا منطلقا للبحث في هذا الشيء الذي لم يكن في عملي الميداني ولم اقم به.
شفق نيوز- يعني ان المناخ يأتي في مقدمة اتخاذ شكل البناء عند المهندس المعماري؟
: نعم، انا شخصيا عملت على هذا، انا اعتقد بان المساوئ تظهر في المعمار على الاغلب بسبب المناخ، إن التنوع الذي نراه في معمار الخيم وبيوت الشعر الكوردية والبيوت الحجرية على الرغم من انه في الظاهر هي للكورد فقط ولكن القليل من خصوصياتها الثقافية تظهر كأنها خاصة بالكورد الرحل ولا تظهر عند الرحل الاخرين من بين تلك الأعمال والاختلافات خاصة بالمناخ في المناطق الكوردية وليس الثقافة الكوردية الخاصة.
حياة الكورد، منذ الازل تجلت في الترحال كون ان "البيت" و"المعمار" ينعكس على شكل حياتهم ونرى ان الكورد وبدلا من البيت(مال) والغرف(خانگ) وما تسمى بالـ(ساسر) المؤقتة وغير دائمة. واليوم حيث أصبح بناء البيوت والعيش في المدن والقرى تم التوجه مرة اخرى الى المناخ الذي تقدم على كل شيء حيث ان بناء البيوت بالحجر والطين بات رائجا واصبح وضع الحجر فوق الحجر ايضا شيئا معتادا وهو ما يعد استخدامه إجراء مناخيا. لان الكورد يوجد تحت ايدهم وماحولهم الكثير من الحجر والطين الكثير. وأصبح بناء البيت من الحجر جزءا من ثقافة بناء البيوت، ونحن الذين درسنا هذا مع طبيعة الطوبوغرافيا والأرض التي تكثر فيه العلو والانخفاض ومناخ البلدات التي يعيش فيها الكورد، و مع اي مناخ جبلي آخر في كل سلسلة جبال زاغروس والبرز وهي مناخات إلى حد ما متشابهة.
وتربية الاغنام والمواشي، ساق الناس الى فكرة نسج الخيم بالصوف الشعر، والمناخ الكوردي ساق الكورد الى تلك المناطق التي تستفيد من هذه الأشياء، وجدير بالذكر أن البحوث الحالية توصلت الى نتيجة تبين ان صوف الأغنام يعتبر من أفضل العوازل لاستخدامها كعازل في بناء المنازل والبنايات، وهو امر يحسب للكورد سواء كانوا علموا بذلك أو لم يعلموا استفادوا منها في مناخهم وفهموها بالتجربة.
واود ان اشير الى اني عندما اتحدث عن الكورد والمعمار الكوردي اقصد تحديدا محافظة ايلام لاني لم اعمل على هذا الموضوع في المناطق الكوردية الاخرى او حتى المعمار في هورامان.
شفق نيوز- على هذا المنوال ماذا عن الحديث عن المعمار النسوي؟
: انا اكثر من اي شيء اخر، انسان لا اعرف اي فرق بين الرجل والمرأة او بين الكورد وغير الكورد، لم اعتد كثيرا النظر الى جنس او قومية الشخص وفي المعمار بشكل اكبر ، وكما قلت ان السلوك والتصرف الموجود هنا والذي لايفرق بين الناس برجالهم ونسائهم او هذه القومية او تلك، واشياء من هذا القبيل، انا احبها كثيرا واطبقها في عملي أيضا.
وهنا، انا القادمة في مدينة صغيرة في اقصى العالم اسمها مهران ليس لي اي فرق مع اي شخص كندي او امريكي او اوربي او افريقي او اي مكان اخر، ولا احد يسأل من أين جئت ولماذا جئت؟نعمل كلنا معا وتقدمنا وتأخرنا يقاس بالعمل فقط.
شفق نيوز- وماهي الأعمال التي تقومين بها الآن؟
: انا هي نفس الشخص التي كانت في إيلام او الآن هنا، دائما منشغلة بعملين الاول التدريس في الجامعات والكليات و الآخر البحوث والمقالات العالمية حول موضوعات مثل منع إسراف الطاقة في بناء العمارات. واحد من الاعمال الاصلية هنا هو اني ادرّس في الجامعات والكليات وكذلك أعطي إستشارات للبحوث ومن أجل تقليل مشكلات بناء العمارات على المحيط او الوسط للمهندسين المعماريين والبناء والميكانيك الذين عملوا لمدة أربع سنوات في السوق على الاقل، ومن ثم أقوم بالتدريس لتوحيد معلوماتهم مع المعيار العالمي "الاستاندر العالمي" المعاصر وتحديثها ليتمكنوا من تحويل النظريات إلى العمل.
شفق نيوز- أين وقعت لك حوادث أكثر؟
: في استراليا، لاني حصلت على شهادة الدكتوراه هناك ودخلت مجال العمل فيها ايضا حيث حصلت على مواقع جيدة وكان لي الكثير لأقوله فيها، وقد حصلت على جائزتين فيها، وفي كندا لم أحصل على ما اريد حسب رغبتي ويعود السبب في ذلك بشكل كبير الى أن تغيير المكان بالنسبة الانسان يستنزف طاقته ووقته لحين تفهمه لمكانه وعمله الجديد.