علي حسين فيلي/ بالتزامن مع الولادة تمنح للطفل اعظم هدية الا وهي لغة الام. يتوجب على اي انسان السعي لحماية هذه اللغة التي تعد ترنيمة في المهد لك تمهيدها واساسها وصوتها الشجي.
وطبقا لما يقوله الكاتب التشيكي ميلان كوندرا :ان الخطوة الاولى لتدمير اية قومية، هي مسح ذاكرتها. يجب تدمير كتبها وثقافتها ولغتها!
ان اللغة الام هي مثل لون العينين وشكل الانف وحالة الحاجبين... الخ بمعنى انها ليست باختيارنا، بل انها جزء من هويتنا وتعريفنا.
ان مهمة اللغة ليست فقط اعطاء المعلومات ونقل المشاعر والاحاسيس، بل تصبح سببا لاستثارة الفكر والايديولوجيات الجديدة. معظمنا مر بتلك التجربة، حينما يتكلم شخص بلغتنا الام يثير انتباهنا واهتمامنا. ففي الغربة عندما يتكلم شخص بلغتنا نشعر بفرح غامر حتى وان كنا لانعرف ذلك الشخص بل بسبب هذه النقطة المشتركة فقط؛ حتى كأننا عثرنا على صديق او حبيب قديم. وهذا الشعور الجميل تجاه الشخص المقابل لا علاقة له بمن هو الشخص المقابل وماهي مكانته الاجتماعية. فلا يتم التساؤل عن هذا الشعور في هذه الجزئية والخصوصية.
يقول الكاتب الفرنسي الفونس دوديه: ان اي شعب يضيع لغته الام، كانه السجين الذي فقد مفتاح باب سجنه.
وبهذا الخصوص ومشكلة الفيليين من ناحية اللغة، ليس هناك اي احصاء موثوق به يبين كم هم الفيليون الذين لهم مشكلة مع اللغة الام. من الواضح انه فيما يخص الدراسة ومراكز التربية والحياة داخل المجتمع -في بغداد مثلا- لهم مشكلة ولكن فيما يخص التربية الاسرية فان للفيليين نوعين من التفكير والتجربة. الاول هم اولئك الذي يتكلمون باللغة العربية فقط او يتكلمون مع اطفالهم اللغة الرسمية للدولة التي يعيشون فيها فقط بذريعة ان المستحسن ان يتكلم الطفل لغة واحدة فقط بشكل متقن حتى لا يتعرض لاستهزاء الاطفال الاخرين بسبب مشكلة التلفظ. الجانب الاخر هم اولئك الذين يتكلمون مع اطفالهم باللغة الام ويقولون ان المجتمع سيجبرهم على تعلم اللغة الاخرى (الرسمية).
ومن دون شك اذا لم يستطع الكوردي الفيلي تعلم اللغة الام داخل بيته، فان اللغة الاخرى خارج البيت لن تمنحه الفرصة لتعلمها مرة اخرى. وقد اثبتت التجارب ان الذين لا يتعلمون اللغة الام عند صغرهم لا يميلون الى تعلمها في كبرهم. وفي هذه الحالة سأضرب مثلا بعائلة فيلية في بغداد لها خمسة اطفال.
فالطفلان الاكبران وبسبب معايشتهم في البيت مع الجد والجدة والتكلم معهم باللغة الام لا مشكلة لهم في التكلم بالكوردية، ولكن الثلاثة الاخرين يعاتبون ابويهم لانهم لم يتكلموا معهم باللغة الكوردية ويقولون: يا ليتنا كنا نحن ايضا نستطيع التكلم مثل الاخرين بلغتنا الام، ولكن من سوء حظنا نحن ان الجدين لم يبقيا على قيد الحياة ليعلمانا اللغة الام. لذلك فنحن لا ثقة لنا بأنفسنا لنتمكن من التحدث باللغة الكوردية!
وبحسب ما يعتقده نيلسون ماديلا، فانه اذا تكلمت مع شخص ما بلغة يفهمها فان كلماتك تصل لدماغه، ولكن اذا تكلم الشخص بلغتك الام فان كلماته تصل الى قلبك.
انا على ثقة بان اللغة الام لا تقتل الفيليين! وهذا اقل عمل تقوم به العوائل في التكلم مع اطفالهم باللغة الام وتعلمها اياها، فاذا فضلوا هم في المستقبل عدم التكلم بها واستعمالها فهذا شأن اخر.